03‏/07‏/2015

بمناسبة رحيل الداعية عبد الرحمن عبدالله سليمان

أبو عوف
حسن سعيد حسن بيريادي
وداعاً أستاذنا أبا عوف
[مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ماعاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا].
بتاريخ (6/5/2015 ) غادر قافلة الدعاة في كركوك إلى لقاء الله، ليوفيه أجره إن شاء الله بالحسنى وزيادة، الأستاذ القدير، والداعية المبتسم، والمربّي الفاضل، الأستاذ (عبدالرحمن عبدالله سليمان)، وودعناه بعيون باكية، وقلوب حزينة، لا يواسيها إلاّ الأمل في اللقاء في الجنة، إن شاء الله.
إن الأخ الأستاذ المربّي (أبا عوف) رحمه الله، من الجيل الأول من الدعاة في كركوك، عرفته منذ نصف قرن. يوم كانت كركوك، والعراق، بل العالم الإسلامي، يتعرّض إلى هجمة عَلمانية شرسة تشكِّك في الدين، وفي أصل
الإنسان. يوم كان الملحدون من بعض المتأقلمين مع الثقافة المستوردة يشكِّكون في الدين، ويسمّمون أفكار الطلبة، ويردِّدُون كالببغاوات مقولة كارل ماركس: "الدين أفيون الشعوب"، ويؤكّدون ذلك بدلاً من أن يُفَهِّموا الطلاب أن المقولة هذه قيلت في بيئةٍ مسيحيّة، استغل فيها رجال الدين الديانة المسيحية لمآربهم الخاصة. هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، كان آخرون من هؤلاء ينشرون أفكارَ (داروين) في إرجاع أصل الإنسان إلى القرود. وطائفة ثالثة يؤيّدون (فرويد)، في تفسير حركات الأطفال الرضّع باللذة الجنسيّة. وغيرها من هذه النظريات، التي أثبتت التجارب العملية فشلها.
إذا نظرنا إلى التاريخ منذ بزوغ فجر الدعوة الإسلامية، لرأينا الصراع مستمراً على هذا المنوال الساعي لتشكيك الناس في عقيدتهم، فمرةً بالدسائس، وهي مشهورة في التاريخ، ومرةً بالحروب الصليبيّة، ومرةً بالتشكيك في القرآن، أو الغمز واللمز بالرسول (عليه الصلاة والسلام). وعلى مرِّ التاريخ تصدّى لهم جهابذة وأبطال من علماء المسلمين، فرادى وجماعاتٍ. وفي عصرنا القريب، لما أَفَلَ نجمُ الخَلافة العثمانية، وآلتِ الأمور إلى الاستعمار الغربي، وظهرتِ العَلمانيّة والليبراليّة، وهي تشكِّك في كُلِّ ما يمتُّ إلى الدين والأخلاقِ بصلة، انبرى لهم علماءٌ أفذاذ، أمثال: الإمام بديع الزمان سعيد النورسي، في تركيا، حاضنة الخلافة الإسلاميّة، التي حاولت القوى العلمانية واللائكيّة تجريدها من دينها وتاريخها المشرف، وإلباسها لباسَ الإباحية الأوروبية، دون نهضتها العلميّة، وتفكيك لحمتها الأسرية والاجتماعية. فقام الإمام بديع الزمان سعيد النورسي بالتصدِّي لهذه الريح الصفراء، وحفظ - بإذن الله-، هو وتلامذته، طلاب النور، الدين والأخلاق والقيم الاجتماعية والأسرية في تركيا.
وفي مصر العزيزة، انبرى لهم الإمام الشهيد، بحركته الإخوانية المنبثقة من الإسلام الشامِل، فصدَّ هجومَ هذه الريح الصفراء، فكانت حياته ثمناً لهذا التصدِّي الشجاع، المدافع عن الإسلام والقيم والأخلاق الاجتماعية. ولا زالت هذه الحركة، التي أسّسها الإمام الشهيد، في حربٍ سِجال، وتدفع الثمن غالياً من شبابها وشيوخها وعلمائها ونسائها وأموالها.
في هذه الأجواء عاش أستاذنا الراحل، وانتمى إلى الدعوة الإسلامية جندياً مجاهداً منذ ستينيات القرنِ الماضي، فكان مليئاً بالحركةِ والنَّشاط والإخلاص في الأعمال الخيريّة، وكان معلِّماً مربياً خلوقاً صبوراً خدوماً، قاوم حركة هدم الدين والأخلاق، وتفكيك لحمة المجتمع والأُسرة، وربّى تلامذته على الأخلاق والقيم الإسلامية النبيلة، سواء أكان ذلك في أثناء وظيفته معلّماً للجيل ومربيّاً للنشء، أو في المجتمع مصلحاً هادياً، أو في خطبه مرشداً وموجِّهاً. وقد أشاد به الأستاذ (عابدين رشيد) بقوله: لقد شاركنا الأستاذ عبدالرحمن في رحلة الحج، فقسمنا الأعمال بيننا، فكان (رحمهُ الله) يؤدِّي عملَهُ، ويساعِدُ الآخرين، كما كان هذا ديدنه في السفرات الإخوانيّة، وكان دائم الابتسامة والبِشر، يرتاحُ له مَنْ يراه لأول مرة ويحبّه، وفيه صفات المؤمنين. ويقول عنه الأستاذ (يوسف جاف)، زميله في مؤسسة النجاح للتربية والتعليم في كركوك: كان "سخي القلب واليد، متزن الشخصيّة، هادئ الكلام، جميل الأخلاق، عزيز النفس"، لأنه تربّى في مدرسة الشهيد الإمام البنّا العظيمة، التي خرَّجَتْ في مدينتنا كركوك المرحومين: الحاج سليمان أمين القابلي، والأستاذ لمعان علي، ونشأة عبدالمجيد، وغيرهم. مواساتي فيه أني زرته قبل وفاته بساعاتٍ، مع الأستاذ الفاضل (إكرام صديق مصطفى)، وقبلت يده، وودعناه، وملتقانا في الجنة، إن شاء الله تعالى، إنه نعم المولى، ونعم النصير.

رحم الله أستاذنا القدير: [رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق