سعد الزيباري
"إنّ
طبيعةَ الإنسان أنْ يكونَ حُرّاً، وأنْ يرغبَ في أنْ يكونَ حُرّاً، غيرَ أنّ مِنْ
طبيعتِه أيضاً أنْ يتطبّعَ بما تربّى عليه"([1]).
فلا
جرمَ أنّ الحكومات – كانت وما زالت – تمارسُ عمليّة التدجين المسيّس والتهجين
الممنهج على المواطنين، الّذين لا يشعرون – نتيجة التوجيه الأيديولوجيّ المستمرّ –
بالهيمنة الّتي تمارَس بحقِّهم، فتوجِّه عقولَهم وإراداتِهم نحو تفكّراتٍ مُعيّنة،
فهم يتلقون يوميّاً سيلاً مِنَ الأفكار والتصوّرات من قنواتٍ شتّى، وخاصّة مِنْ
شبكاتِ التواصُل الاجتماعي الّتي أتقنتِ
الحكومات الفرديّة لعبتَها أيضاً، ووظفتها لبثِّ
أفكارٍ مُعيّنة وأيديولوجيات مدرُوسة. فنحنُ اليوم أصبحْنا نشاهِدُ سيلاً متراكماً
مُتراكباً مِنَ (النفايات الثقافيّة) الّتي يقوم بترويجها وتسويقها أفرادٌ يأخذون
أجوراً لقاء أتعابهم في نقلِ تلك الأفكار المعلّبة والتوجّهات الجاهزة من أجلِ
تخدير الوعي وتغييبه!
فالعقلُ
الواعِي الّذي يتلقّى هذهِ النفايات المؤدلجة، يعيدُ إنتاجَها من جديد بعدَ خزنِها
وتحويلِ بعضها إلى (العقلِ الباطِن)، أو (العقل اللاواعي)، الّذي يؤدّي دوره في
توجيه سلُوكنا وتنميطه وأدلجته بما يُوافق وأغراض القائمين على مصادِر تلك الأفكار
المعبّأة والمضامين المشحُونة بكلّ ما يُخدِّر وعي الإنسان ويشلّه ويُعطِّله. فعلى
سبيل المثال: نحنُ إذا أردنا أنْ نقدِّر حجمَ التأثير الّذي يتركهُ علينا هذا القصف
اليوميّ المستمرّ، يكفينا أنّ نعرفَ أنّ مُشاهدة أيِّ مُحتوى دعائي أو إعلاني أو
إغرائي لمدّة (20) دقيقة، سيترك أثراً بعيد المدى في نفُوس المشاهدين، مِمّنْ
يقومُون بوعي أو لا وعي في اجترارِ ما تلقّوه ومُحاكاتِه. ومن هُنا عمدتْ وسائِلُ
الإعلام المسيّس - من أجلِ خداعِ الجماهير وإلهائها - إلى "تَكرار الرسالة
الواحدة بشكل مُتتابع ودقيق، وباستخدام وسائِل مُختلِفة، بصرفِ النّظر عن مدى دِقّة
هذه الرسالة وصدقيَّتها. هذا، وتشيرُ الدراسات إلى ميلِ البشر إلى تصديق الأفكار
والمعلومات الّتي تتكرّرُ أمامَهم بانتظام؛ بصرفِ النظر عن مدى منطقيّتها"([2]).
فتَكرارُ الرِّسالة – مهما كانت غاياتها – يفضي إلى ترسيخِ مضامينِها وتجذيرِها في
العقلِ اللاواعي!
وهُناك
دراساتٌ معرفيّة كثيرة بحثت في هذا المجالِ الحيويّ، ونحتت مُصطلحاتٍ عديدة،
لتوصيفِ هذا المفهوم الّذي أصبح حقلاً معرفيّاً خاصّاً، وإذا ما قُمنا "باستعراضٍ
سريع لبعض المصطلحاتِ ذات العَلاقة بما عُرف بوسائط الاتصال (Media
Communication) - من قبيل: التلاعب بالعقول، وقصفِ العقول، وتخديرها،
وتعليب الوعي، وتغييبه، وتزييفه، وخطفه، واغتصابه، والكذبة الصادقة، والأكاذيب
المنطقيّة، والأكاذيب الرسميّة، واجتزاء الحقيقة، وفنون الدعاية والإعلان، والتلاعب
الإعلامي، والإعلام المتحيّز، واحتكار وسائل الإعلام، وتقنيات نشر الإشاعة، وغسيل
المخ، ومقص الرّقيب، والرّقابة الذاتية، والأمّية الإعلاميّة، والتعتيم الإعلاميّ،
والتضليل الدعائيّ، وتكتيكات الإلهاء الإعلاميّ، وصناعة الموافقة، وفبركة الرأي
العام، وغيرها الكثير الكثير مِنَ المصطلحات - انكشفت لنا البنية التحتيّة التي
قامتْ عليها قواعد وسائل الإعلام العالميّ، وتبيّن - في الوجهة - الانحراف الّذي
طرأ عليها، فتحوّلت من (وسيلةِ اتصال) إلى (وسيلةِ تحايُل ودجل)، ولكنّه مقنّن
ومبرَّر له"([3]).
هذا،
و"في عام 1939 نشر (سيرجي تشاخوتين) كتاباً أعطاه عنواناً ذا دلالة مقزّزة،
وهو (اغتصاب الجماهير)، للتّدليلِ على بشاعة الهتكِ القسريِّ لحُرمة العقل،
والتلويث لطهارةِ الفكر والفِطْرة!"([4]).
فالحكومات - ديمقراطيّة كانت أو ديكتاتوريّة - قد أتقنتِ اليوم استراتيجيّة
الهيمنة الناعِمة على العقول النائِمة، من خلالِ تنفيذِ استراتيجيّة تعليب وعي
المواطنين وتزييفه، وتنميط العقُول وتدجينها، وتشكيل التوجّهات، والتلاعب بالأذواق
واستمالتِها لأغراضٍ مُحدّدة سلفاً.
ومِمَّا يذكرُه المفكِّر
الأمريكي (نعومي تشومسكي)([5])
في هذا السِّياق؛ هو: "أن وسائل الاتصال الحديثة
أصبحت أداةً أساسيّة للسيطرة والحكم في الدول الديمقراطيّة، كما كانتِ الإشاعةُ
أداةً للحكم في الدول الديكتاتوريّة"([6]).
وأكّد أنّ هُناكَ صُحفاً تُشترى من قبل الأثرياء؛ ليُطوِّعوا الحقيقة لصالحِهم.
وقد تمّ التحوّل في أجواء الديمقراطيّة إلى تكنولوجيّات صناعة الموافقة (manufacturing
consent)، "فمصانع العَلاقات العامّة تنتج - وبالمعنى
الحقيقي للكلمة - (الموافقة والطواعية والخضُوع)، وهي تراقب الآراء والأفكار
والأذهان"([7]).
ويضيفُ: "إن هذا يُعتبر تطوّراً كبيراً بالنسبة للأنظمة الشموليّة. فمن
المريح جدّاً أنْ يتلقّى المرء الدعاية بدلاً من أنْ يجد نفسَه في غرفةِ التعذيب"([8])،
ما يعني أنّ ما كان يتمّ الحصول عليه سابقاً من خلال التعذيب في السجُون، أصبح
يتحقّق الآن من خلال الدعاية والإعلان! هذا إلى جانب الفلسفة الّتي تحرِّك
القائمين على وسائل الإعلام العالميّ، كما يلخّص أحد جوانبها (رتشارد سالنت) –
الرئيس السابق لشبكة (سي بي إس) الإخباريّة؛ حيث يقول: "إنّ مهمتَنا هي إعطاء النّاس ليسَ ما يطلبُون، ولكن ما نقرِّر نحنُ
أنَّهم يجب أنْ يحصلُوا عليه"([9]).
وفي
هذا الصّدد قال روجيه غارودي: "السّياسةُ الكُبرى هي كيفيّةُ إعدادِ شعبٍ
إعداداً جيِّداً للعبُوديّة مِنَ اليمين أو اليسار عن طريقِ (الشّاشة الصّغيرة)؛
وهو يبتسمُ في سعادةٍ وغفلة.. وإذا كان مِنَ السَّهل حُكم الشّعب الجاهِل، فما
أسهلَ ذلِكَ عن طريق التلفزيُون". وأنتَ "إذا رأيْتَ منتجاً مجانيّاً (Facebook، Twitter، Google، YouTube)، فاعلَمْ أنّكَ أنتَ السِلْعة"([10]).
وقد أكّد المفكّر البرازيلي (باولو فرير) - وهو أحد المنظِّرين لحالةِ الإنسان
المقهور - في نظريته التربويّة الخطيرة (تربية المقهورين)، بقوله: إنَّ تضليلَ عقُولِ
البشر (manipulation) هو "أداة للقهر" فهو يمثِّل إحدى
الأدواتِ الّتي تسعى النخبةُ من خلالها إلى "تطويع الجماهير لأهدافِها الخاصّة"([11]).
وفي
هذا المساق أكّد (لي كوان يو) - رئيس وزراء سنغافورة الأسبق -؛ بالقول: كانت سيطرتي
التامّة على المنابِر الإعلاميّة مصدر قُوّتي طيلةَ حياتي السياسيّة، فالكلمةُ المنطوقة
عبر التلفزيُون أشدّ تأثيراً بكثير مِنَ النصِّ المكتوبِ في الصّحف([12]). وفيما يتعلّقُ بالإعلامِ العربيّ، فإنّ "الصفةَ
الغالِبةَ عليهِ، إنّهُ إعلامٌ مُسَخّر علناً، لخدمةِ هدفينِ سياسيين: أولّهما:
أنْ يتجاهلَ أخطاءَ الحكومة، والثاني أنْ يُمَجِّدَ مُنجزاتِها الإداريّة، بكُلِّ
وسيلةٍ في حوزتهِ، بما في ذلِكَ قصائِد الشِّعر، وأغاني الأطفال، اللّتانِ
ينطلِقانِ في الظّاهِر، مِنْ خطّةٍ إعلاميّة مشرُوعة"([13]).
استراتيجيّة
تعليب الوعي وتشكيل العقل
لا غَرْوَ أنّ "عمليّةَ تعليبِ الوعي، وصناعة النّمط، وتشكيل العقُول
وصبِّها في قوالِبَ مُعدّة سلفاً، لخدمة أهدافِ نظامِ حكمٍ بعينه، وتطويع الجماهير
لأهداف خاصّة، وتدمير الصِحّة العقلية لهم، وشلّ قدرتهم على التفكير العلميّ
المستقل؛ هي آخر جريمة إنسانيّة يمكن أنْ يرتكبَها نظام حكم ما في حقِّ شعبه!
وعمليّةُ
تعليب الوعي، وصناعة النّمط، وتسيس العقُول بدأت منذ أيّام العهد النازي في
ألمانيا، ونجحت إلى حدٍّ كبير في شلِّ القدرة على التفكير المستقل عند شعب عريق؛
كالشعب الألمانيّ، واستطاعت أنْ تجرَّ الملايين منه طائعين مُختارين، أو على الأصحّ
مُخدرين بالدعاية المنظّمة، إلى مذبحة الحرب العالمية الثانية، لكي يرتكبوا أفعالاً
أصبحُوا هم أنفسهم يعجبون بمجرّد أنْ زال عنهم سِحْرُ الدعاية وتخديرها: كيف رضوا
لأنفسهم أنْ يرتكبُوها؟([14]).
والإنسانُ
الذي يصحُو من سباته إثر التنويم المخدّر، ويُقلّل من جرعاتِ التخدير الإعلاميّ،
سيكشفُ بنفسِه حجم التّزييف والتّضليل الّذي حصلَ معه أثناء أسره في سجونِ
التلقِّي الطوعيّ لقنواتٍ مُسيّسة شتى. وكلّما زاد وعي الإنسانِ قلَّ أثر الإعلام
السلبيّ في توجيه أفكارِه وتنميط سلوكياتِه وترويضِها، و"كُلّما تقدَّمْنا في
العُمْرِ ضَعُفَ البَصَرُ.. واتّضَحَتِ الرُؤيةُ!"، فالإنسانُ الواعِي يُمكنه
أنْ يميّز بين الردئ والسليم، والصّحيح والفاسِد،
والعميق والضّحل؛ لأنّ الله جلّ وعلا قد حباهُ بعقلٍ وإدراكٍ يُمكنه بفضلِهما أنْ
يميِّز بينَ الأشياء، ويتأمّل في الآفاق، ويتعمّق في الأنفس، فالعقلُ الواعي إذاً،
لا يقبلُ البتّة أنْ يُساق من قبل غيره سَوْق البهائِم، فهو يعي جيِّداً بالحكمةِ
الّتي تقول: "إذا لم تُسيِّطِرْ على عقلِكَ، سوفَ يُسيِّطِرُ عليهِ
شخصٌ آخَر!"([15])،
و"إنْ لم تستخدِمْ عقلَكَ؛ فإنَّ الآخرينَ سوفَ يسُوقونه!"([16]).
وإنْ لَمْ تُبَرْمِجْ عقلَكَ، ستكون مُبرْمَجاً من قبلِ شخصٍ آخَر!([17]).
إذاً، فهذا العقلُ الفريد ليسَ
معرُوضاً للبيع. وما أجملَ ما صاغه الدكتور (طارق السويدان) في هذا المعنى بعبارةٍ
مُوحية في منشورٍ نشرَهُ بعنوان (عقلي ليسَ للبيع)؛ ومِمّا قال فيه: "إذا
حدَّثنِي شيخٌ أو عالِمٌ أو داعية بحديثٍ لا يُعقل، فلن أقبلَهُ حتَّى لو نقلَهُ
لي عن صحابيّ (رضي الله عنه)، فعقلي ليسَ للبيع، وقديماً قال العربُ: "حدِّثِ
العاقِلَ بحديثٍ لا يُعقل؛ فإنَّ صدّقكَ فلا عقلَ لَهُ". إذا تحدَّث حاكِمٌ
أو سياسيّ في خطابٍ عام أو لقاء إعلاميّ، وأعطى الوعُود بمستقبلٍ زاهِر ورخاءٍ
وثراءٍ وتنمية، فلن أُصدّقه مهما تحدّث، فهم مُدرَّبُون على أنْ يَسْمعَ النّاس
منهم ما يود النّاسُ سماعَه، فلا حاكِمَ يخدعُنِي، ولا إعلامَ يُبهرني، فعقلي ليس
للبيع! عندما أقرأُ في كتب التراث عن عابدٍ صلّى ألفَ رَكْعة في ليلة، أو ختم
القرآن الكريم (٧) مرّات في ليلة، أو عن فارس مسلم قتل بيديه مائة من الأعداء في
يومٍ واحِد، أو عن مَنْ صلّى كذا سنة الفجر بوُضوء العِشاء، ونحو ذلك؛ أقول في
نفسي: "ما هذا الهُراء؟!". حتّى لو كان الكلام موجُوداً في كتب كبار
العُلماء والمؤرّخين، فعقلي ليسَ للبيع! عندما تقومُ دولة باستعمال أدواتِها
الإعلاميّة الضّخمة بتشويه صُورة مُعارض لها، أو رمي الاتهامات ضِدّ جماعة أو حزب
مُنافِس لها، فلن أقبلَ أيَّاً من ذلك الخِداع، حيث إنه من البدهيّات أنّه لا
يُمكن تشكيل رأي عن شخصٍ أو جهة من كلام خصُومه، فهذا لا يخدعُنِي؛ لأنَّ عقلي
ليسَ للبيع! عندما يُردّد قادة حزبٍ أو جماعة أمامَ أعضائِهم بطولاتِهم العنتريّة
أمامَ نظريّات المؤامرة الّتي تحيطُ بهم، فيعيشون هُمْ وأعضاؤُهم في أوهامٍ
تخدعُهم، لكنّها لا تخدعُنِي؛ لأنَّ عقلي ليسَ للبيع! باختصار: عقلي ليسَ للبيع،
لا لحاكِم، ولا عالِم، ولا سياسيّ، ولا إعلاميّ، ولا لقائدِ حزبٍ أو جماعة، ولا
لكتب التراث، ولا حتّى لأبٍ ولا لأُم، الله جلَّ جلاله كرّمني كإنسانٍ على سائرِ
الخلائق بالعقلِ الرّاشِد، فكيفَ أُعطّله وأسلّمه لغيري!([18]).
وما أحرى بنا هنا أنْ نستفيدَ من تجرِبة (أبي حامد الغزالي) الّذي اتّخذ (الشك)
مذهباً ذهنياً له في طريقِ "البحثِ عن الحقيقة"، وطلب المعرفةِ
والتماسِها من أجلِ الوصُول إلى مرحلةِ اليقين، فالشكّ عندَهُ هو أوّل الطّريقِ
إلى اليقين([19]). ومن أقوالِه في هذا المجال: "الشكوكُ هي
الموصلةُ إلى الحقّ؛ فمن لم يشكّ لم ينظر، ومن لم ينظر، لم يُبصرْ، ومن لم يُبصر،
بقي في العمى والضلال"([20]).
فالشكّ المنهجيّ عندَ الغزاليّ هو مذهبٌ يقومُ على
اعتمادِ الشكِّ كآليةٍ لبلُوغ المعرفة، ويقتضي عدم تقبّل أيّ فكرة أو قضية دون
فحصها أوّلاً فحصاً معرفيّاً دقيقاً([21]). فالشكّ المنهجيّ يعدُّ وسيلةً ناجعة للبحث عن
الحقيقة في خضمِّ الأكاذيب الّتي تلفُّ بنا من كُلِّ
جانب.
وسائِل
الهيمنة واستراتيجيّات التدجين المسيّس
ومن
وسائل الهيمنة على عقُولِ المواطنين: "التقليل من الجرعات الفكريّة والعلميّة
لصالح ساعات الترفيه والمرح. والمتتبع لسلُوكِ مُعظم وسائل الإعلام حول العالم
يشعرُ وكأنّها تخوض حرباً ضِدّ كُلِّ ما هو جادّ أو علميّ، لصالح ساعاتٍ طويلة من
برامج الترفيه والمرح، بمختلف أشكالِها. ومع مرُورِ الوقت صار هذا هو السَّمْتُ
العام لوسائل الإعلام الجماهيريّة، وصار الإعلام الجاد مع الوقت أكثر نخبويّة،
بمعنى أنّهُ صار أكثر تخصُّصاً؛ وبات لا يجتذِبُ إلّا نسبة قليلة مِنَ المشاهدين"([22]).
هذا،
"وللتضليل الإعلاميّ وسائل وأساليب متنوعة؛ مثل: المطابقة المجتزأة، كثرة
مصادر الخبر وتنوّعها، التلاعب بالألفاظ، التَّكرار، التزوير والتحريف، التهويل
الحِسيّ، العزف على وتر الحِسّ الفنيّ، وغيرها. كما أنّ هناك علاقةً وطيدة بين
التضليل الإعلاميّ وما يسمّى بالحربِ النفسيّة([23])، الّتي
تستخدم فيها أساليب الدعاية والوسائل النفسيّة والمعنوية من أجلِ التّأثيرِ في
مشاعر العدوّ،ِ وآرائِه، وسلُوكياتِه، واتجاهاته، بطريقةٍ تسهلُ الوصُول إلى الأهداف
المحدّدة سلفاً. والحربُ النفسيّة، بالتّعبير الدّقيق، حسبما ورد في قاموس (كامبريدج)،
هي: "استخدامُ الأنشطةِ الّتي تسبِّب
الخوفَ والقلق لأعدائك؛ دون أنْ تُؤذيهم جسديّاً". أمّا قاموس (كوبلد)، فقد
عرّفها بأنّها "المحاولات الّتي تقومُ بها لتجعل عُدوَّكَ يَفْقِدُ الثقة،
ويتخلّى عن الأمل، ويتملّكه الخوف؛ حتى تتاح لك فُرصة الفوز". والحربُ
النفسيّة في قاموس (نيوورلد) هي: "استخدام الدعاية الإعلاميّة، وغيرِها من
الوسائل الّتي يمكن لها أنْ تؤثر في الجماهير؛ وتتسبّب في خلط بالتّفكير لديهم،
وقتل الرُّوح المعنويّة للعدوِّ المستهدَف". وتعدُّ الحربُ النفسيّة أخطر
وأنكى من الحرُوب المباشرة في ساحات القتال؛ فحروبُ العقل أقوى من حرُوب الأسلحة. وقد
أكّد (نابليون بونابرت) ذلِكَ بقولِه: "هناك قُوّتانِ فقط في العالم: العقلُ
والسّيف؛ وعلى المدى الطويل؛ العقل دائِماً ما ينتصرُ على السّيف"([24]).
ومن
هُنا، فإنّ (الإعلامُ المسيّس) يرمي – في المدى القريب أو البعيد – إلى توجيهِ
سلُوكِ الإنسانِ وتدجينه وترويضه لمصلحة القائمين عليه، والداعمين له. أمّا
(الإعلان الموجّه)، فيُمكن وصفُه بأنّهُ علمُ اختطافِ عقلِ الإنسانِ لفترةٍ كافية
لاستنزافِ المالِ منه"([25])،
وهو "أسلُوبٌ من أساليبِ الاتّصالِ بالجماهيرِ عن طريقِ اللّفظِ أو الإشارةِ
أو العملِ الرّمزيِّ. وهي تثيرُ جوّاً مِنَ الإغراءِ أو الاستهواء بصرفِ النّظرِ
عنِ الموضُوع الّذي ترمي إلى الاستمالةِ إليه، وتستخدمُ الدعاية كُلّ الأدواتِ
المتاحة، وتتوغّلُ في جميعِ مظاهِر الحياة، وتغزو كُلّ مجالاتِ الفكرِ
والعمل"([26]).
والدعايةُ: "هي الاستخدام المقصُود القائِم على التّخطيط لأيِّ صُورةٍ مِنْ
صُورِ الاتّصال، بهدفِ التّأثيرِ في عواطِفِ النّاسِ وسلوكِهم اتجاهاتِهم
النفسيّة، لتحقيقِ أغراضٍ مُحدّدة، تخدمُ مصالِح القائِم بالدعاية"([27]).
والإعلانات الّتي تُطلقها القنواتُ الإعلاميّة، إنّما تهدِفُ
إلى "دفعِ الإنسان إلى مزيدٍ من الاستهلاك، وكأنّ الاستهلاكَ هو الهدفُ الرئيسُ،
ورُبّما الوحيد من وجُود الإنسان في هذا الكون"([28]).
والهدف
من هذا الهجوم الإعلامي، هو إشاعة الأنموذج الاستهلاكي لتطويع الجماهير وتدجينهم
وتنميطهم، بحيث يجد الإنسان العادي (وغير العادي) نفسه مُستبطناً لفكرة أنّ السّعادةَ
لن تتحقق إلا عن طريق الاستهلاك، والمزيد من الاستهلاك، فيتوحّد تماماً بالسلعة،
ويُصبح إنساناً (مُتسلّعاً) ذا بعد واحِد، غارقاً تماماً في السلعة والمادة، وفي
حالة غيبُوبة إنسانيّة كاملة. فما يسيطر على الولايات المتحدة هي الرؤية
"الاستهلاكية المادية" حيثُ ينظر للإنسان باعتباره مجموعة من الاحتياجات
المادية أو الجسدية"([29]).
تنميط
العالَم إلى وحدات متشابهة - متماثلة
فجوهر الإعلام في عصر
العولمة هو "تنميط العالم بحيث يُصبح العالم بأسره وحدات مُتشابهة"([30])،
تجعلُ من الإنسان شيئاً جسمانياً اقتصادياً لا انتماءَ واضحاً له، ولا خصوصيّة
ثقافية؛ لأنّ الخصوصياتِ الثقافية تعوق هذا الإنتاج العالمي([31]).
فالإعلام لا يهدِفُ إلى صياغة العواطف والتأثير في المعارف فحسب، بل لديه رغبة في
التأثير على السلُوك([32])،
عن طريق تصدير أنماطٍ معيّنة من الزي والمظاهر، تدفعُ
المُقلِّد لها نحو تقليد نمط الحياة الغربيّ، بما يحتويه من أفكار([33]).
وبناءً على ذلِك، فإنّ "ظهور اللّباس الأفغانيّ، أو جماعات الإيمو، واللّباس
الأسود، الّذي يُميّز جماعاتٍ مُوسيقيّة شبابيّة تُسمّى بـ(الهارد روك)، تُعَدُّ
أحد تمظهراتِ التّأثير الّذي أحدثَهُ الإعلام، وهو ما يتمُّ عبر تقديمِ أنموذج
مُتجانس للمنتجاتِ الثقافيّة والرمزيّة المقدّمة، وإدخالِها إلى مجالِ المنافسة،
يتفاعلُ معها مُتلقّون من مرجعيّاتٍ ثقافيّة مُتنوّعة، تقومُ بعمليّة اختيار وتفضيل
بين (القيم) المعرُوضة في السّوق، وتعملُ وسائِل الإعلام وسائِط أساسيّة في عمليّة
النّقلِ هذه، مِمّا يُؤدّي إلى (خصخصةِ القيم) الّتي تتّسِمُ بالانتقائيّة
والتّوفيقيّة"([34]).
فالشاشةُ الصّغيرة أصبحت اليوم تتحكّم بوعي الجماهير، بدءاً بالكلمة ومروراً
بالصوت، وانتهاءً إلى عصر الصُورة التي سادت على الإعلام، والّتي تتعاملُ مع
الحواس البسيطة لدى الإنسان، فلا تحتاج إلى كفاءة ذهنيّة، ولا إلى مخزونٍ ثقافيّ،
صانعة - في الوقت نفسِه - مُشاهداً ذا عقلٍ سلبيّ، يستقبلُ الصُورة ويُقلِّدها بلا
تفكير([35]).
لذا، فإنّ الوسيلةَ الأسهل لتغيير إدراك الجمهور؛
هي "إغراقُه بمعلُوماتٍ كاذِبة تُجبره على
تغيير تصوّره عن الواقع كما هو في الحقيقة؛ ليستبدله بصُورة أخرى زائفة"([36]).
هذا، ويتبنّى رئيس مركز السياسة الأمنية الأمريكيّة (فرانك جفني)، الذي يرفعُ شعار
(فرض السّلام بالقوّة)، مقولة (ونستون تشرشل) - رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب
العالمية الثانية - الّتي يقولُ فيها: "إن الحقيقة ثمينة جداً إلى درجة أنّه
يجب حمايتها بموكبٍ من الأكاذيب!"([37]). وقال (جورج أورويل) بحقّ: "كُلّما
ازداد ابتعادُ المجتمعِ عنِ الحقيقة، ازدادت كراهيته لِمَنْ يقولُون الحقّ"([38]).
وأكّد (أورويل) أيضاً؛ بقولهِ إنّ: لغةَ السياسةِ تمّ تصميمُها لتجعلَ الكذبَ يبدُو
صادِقاً، والقتلَ مُحْترَماً! وأنا أضيفُ: والبرئ مُذنباً، والمذنِبَ بريئاً،
والجلاّد ضحيّة، والضحيّة مُجرِماً، والخائِن وطنيّاً، والوطنيّ منبُوذاً، كلُّ
ذلِكَ مِنْ خلالِ ثقافةٍ مرئيّةٍ عَرَضيّةٍ مُسَطّحة، تُقدِّمُ وجباتِها على طبقٍ
مِنَ الإغراءِ والمتعةِ والإثارة! أمّا العقلُ المدرِكُ فقد تمَّ تجميدُه في
ثلاجةِ الإعلامِ المسيّس، فأصبحَ مُغلقاً لا يعي ما يدورُ حولَهُ مِنْ مُستجدات،
ولا يفهمُ ما دونهُ مِنْ ما جريات!
والإعلام
الأميركي هو أهمُّ آليّات الإمبريالية النفسية، وأنجح الوسائل في تفريغ الإنسان
الأميركي والهيمنة عليه، وتصعيد حراراته الجنسية والاستهلاكية. وهو إعلام ذكي إلى
أقصى حدّ، فهو لا يكذب قط، وإنما يجتزئ الحقيقة. ويوجد تعبير باللغة الإنجليزية هو
(true lies) (أكاذيب حقيقية)، بمعنى أنه يمكن تمرير
الأكاذيب عن طريقة إخفاء جزء من الحقيقة([39]).
ومن المعلُومِ أنّ إخفاءَ جُزءٍ مِنَ الحقيقة يؤدِّي إلى تشويهِها، وإهدارِ
غائيّتِها!
وصناعةُ المعلُومات الكاذبة
هي استراتيجية تعمدُ – أحياناً - إلى خدعة المشاهد باختزالها الواقِع في صُورةٍ
صغيرة، ومِنْ ثَمَّ تضخيمها وتصوّيرها بما يفوق قدرها؛ لإيهام المشاهد أنّ ما
تمثله هذه الصُورة هو الحقيقة الطاغية وليس استثناءً، فيتمّ تنميطُ الجمهور
وهندسته في قالبٍ واحِد، سواء أكان ذلك لتعزيز توجّه سياسي، أو ترسيخ قيمة أخلاقيّة
معيّنة، وهي القولبة التي لا تعتمدُ على الدعاية الإعلاميّة وحدها، وإنما تتجاوزها
إلى القوى الناعمة من خلال وسائل التّرفيه([40]).
والحق "أنّ بحرَ وسائلِ
التّضليل والتلاعب الإعلامي لا ساحِلَ له، والخوض فيه لمن لا يملك أدوات الإبحار
فيه لا أمان منه. وفي زمن العولمة، والتطوّر الإعلامي المتسارع، قد يُمسِك
المتحكّم بوسائل الإعلام بخناقك، وأنت تظنّ أنّك مُتحرّر من قبضته، وقد يكون ملعُوباً
بعقلك، ومفتولاً حولك حبل تضليله، وبالرّغم من ذلك يخال لك أنك إنما تنصرُ ربّك
وتنتصر لدينك!([41]).
فنحنُ
إذاً، ضحيّة هذهِ الأفكار المعروضة يوميّاً على طبقٍ مِنَ الإغراءِ والإثارة،
الّتي تهدفُ منها الحكومات إقناع الجمهور، ومِنْ ثَمَّ التأثير فيه. ففي
(الاستراتيجية الإقناعية)، فإنّ الهدفَ الّذي يرمي المرسِل إلى تحقيقِه مِنْ خلالِ
خِطابه، هو إقناع المرسَل إليه بما يراه؛ ذلِكَ أنّ إقناعَ المرسَل إليه هدفٌ
خِطابيّ يسعى المرسِل إلى تحقيقِه في خِطابه. وقد تزدوجُ أساليب الإقناع بأساليب
الإمتاع، فتكونُ إذ ذاك أقدر على التّأثيرِ في اعتقادِ المخاطَب، وتوجيه سلُوكِه،
لما يهبها هذا الإمتاع من قُوّة في استحضارِ الأشياء، ونفوذ في إشهادِها للمخاطَب،
كأنّهُ يراها رأي العين([42]).
والإقناع
عند (هنريش بليث) يتلخّصُ في "قصدِ المتحدِّث إلى إحداثِ تغييرٍ في الموقِف
الفكريّ أو العاطفيّ عند المتلقِّي"([43]).
فإقناع المخاطَب، وتغيير سلُوكهِ، أو فكره، أو التّأثير فيه، هي عمليّة مقصُودة([44]).
وقد حدّد (حازم القرطاجنيّ) مفهُومَه في كتابه؛ بقولِه: "هو حملُ النّفُوسِ
على فعلِ شيءٍ أو اعتقادِه، أو التخلِّي عن فعلِه واعتقادِه"([45]).
ويعدُّ التّأثيرُ في المخاطَب هو الغايةُ الأهمِّ للإقناع. هذا، "ويُمكن أنْ
يؤدِّي الإقناع إلى التّأثيرِ، كونه وسيلة لتغييرِ مُعتقدِ المتلقِّي وفكرِه،
ومِنْ ثَمَّ التّأثير في سلُوكِه"([46])،
فالإقناعُ هو أحدُ وسائِل التّأثيرِ العقليّ؛ فالتّأثيرُ إذاً، هو الغايةُ
والإقناعُ يكون وسيلةً له([47]).
فمشاهدة
مادّة واحدة، مرّةً أو مرّتينِ في الأسبوع، لمدَّة (20) دقيقة، ستكون بمثابة
البوابة الّتي تقتحمُ عقولنا وتحقِّق الهيمنة عليها، سلباً أو إيجاباً. والدّليلُ
على ذلِكَ، أنّ أفكارَنا ومناقشاتِنا أصبحتْ مُتشابهةً نتيجةَ تلقّي معلُوماتٍ
مِنْ مصادِر مُماثلة، وهو ما يُؤدِّي إلى التسطيح المعرفيّ والجهل الثقافي الّذي
أصبحنا نعاني منه في هذا العصر المأزوم!
ظاهرة التكيُّف الطوعي مع التخلّف القسري
ومِنْ
هُنا علينا أن نعلمَ جيِّداً أنهُ "ليسَ من علاماتِ الصِحّةِ العقليّة أنْ
يتكيَّفَ المرءُ معَ مُجتمعٍ مريض"([48])!
فليسَ مِنْ علاماتِ الصحّةِ أنْ تفكِّرَ مِثلما يفكِّرُ المجتمع، وتقرِّرُ مِثلما
يُقرِّر هُوَ، وتتبنّى ما يتبنّاهُ مِنْ آراءٍ وأفكار. وإنّما من أَمَاراتِ الصحّة
العقليّة أنْ يكونَ لكَ رأيُكَ الّذي يعبِّرُ عنكَ، وأن يكون لكَ فكرُكَ الّذي
انبثقَ مِنْ عقلِكَ نتيجةَ المنطقِ والبُرهان والحُجَّةِ والبيان. فـ"أكبرُ
تنازُلٍ تُقَدِّمُه في حياتِكَ هُوَ أنْ تتأقلَم"([49])،
و"أصعبُ معركةٍ في حياتِكَ، عندما يَدْفَعُكَ النّاسُ إلى أنْ تكونَ شخصاً
آخَر"([50]).
وتعزيزاً
لهذهِ الأفكار يقول (يوهان غوته) إنهُ: "لا توجَدُ عبوديّة أسوأ مِنْ أنْ
تعتقِدَ واهِماً أنّكَ حُرٌّ، وأنتَ في الحقيقةِ لا تملِكُ قرارَ أيِّ شيءٍ في
حياتِك"([51])!
وإنّ التكيُّف على طقُوسِ العبُوديّة للأهواءِ والشّهوات، تجعلُكَ تُدافِع عن
عبوديّتِكَ هذهِ، وتقاتِلُ من أجلِها. وما أروع ما قيل في هذا المعنى: إنّ السماءَ
لَوْ أمطرت حُريّةً، لرأيتَ بعضَ العبيدِ يحمِلُون المظلاّت! فـ"العبيدُ -
بتعبيرِ فؤاد زكريّا - لا يُناصِرُون التغيير؛ لأنّهُم يظنُّون أنفسَهُم في الوضعِ
الأفضل، مَهْمَا كانتْ أوضاعُهم سيّئة". وقد قيل: إنّهُ مِنَ السّهل الإطاحة
بالطغاة، لكن مِنَ الصّعبِ تغيير تفكير مُجتمعٍ تعوَّد على عبادةِ الأصنام! وعلى
هذهِ الفكرة أكّد (د. علي شريعتي) بقولِه: "مُشكلتُنا في الثورات، أنّنا
نطيحُ بالحاكِم، ونُبْقِي مَنْ صَنَعُوا دكتاتوريّتَه، لهذا لا تنجَحُ أغلبُ
الثورات، لأنّنا نُغيِّرُ الظّالِم ولا نُغيِّرُ الظّلْم". كما "أنّ
التهديداتِ الإلهيةَ لا تردع الظالم عن ظلمه، فهو حين يظلم لا يدري أنّه ظالِم، إذ
هو يُسوّغ ظلمَه ويُبرّره ويتأوّل فيه فيجعله عدلاً"([52]).
وقد
وجدنا نماذج ضافية من هذهِ العبوديّة الشائنة في عصرِنا الرّاهِن، ووجدْنا
الكثيرين من أنصارِ هذهِ العبُوديّة الّتي يقاتلون من أجلِ بقائِها، بل ويقدِّمون دماءَهم
رخيصة على مذبحِ أسيادهم الّذين ألزموهم بشروط الطّاعة العمياء، فـ"هُناكَ
مَنْ يُناضِلُ مِنْ أجلِ التحرُّرِ مِنَ العبوديّة، وهُناكَ مَنْ يُطالِبُ بتحسينِ
شرُوطِ العبوديّة!([53]).
فـ"الحرُّ يُدافِع عنِ الفكرةِ، مهما كان قائِلُها، والعبدُ يُدافِعُ عنِ الشّخصِ،
مهما كانتْ فكرتهُ!". ويُحْكَى أنّ عبداً فازَ على خصمهِ في مُبارزةٍ، وكانتِ
المكافأةُ "حُريّته، وكثير مِنَ المال"!، وعندما سُئِلَ: ماذا ستفعلُ
بكُلِّ هذا المال؟ قال: سأشتري سيِّداً يُعامِلُني برفق! ومِنْ هُنا "يصعبُ
على المرءِ أنْ يُصدِّقَ كيفَ أنّ الشّعبَ متى تمّ إخضاعُه يُسارِع إلى السقُوطِ
فجأةً في هُوّة النسيان العميقة لحُريّتِه، حتّى ليمتنعَ أنْ يستيقِظَ
لاستعادتِها، ويُقبل على الخدمة بحُريّة وتلقائيّة، حتّى ليظنّ مَنْ يراهُ أنّهُ
لم يخسرْ حُريّتَه، بَلْ رَبِحَ عبوديّته"([54]).
ونحنُ لا نعدم في عصرِنا هذا من ذكرِ نماذج وافية ضافية من هذهِ العبُوديّة
الطوعيّة – المختارة، تلك العبُوديّة الّتي تمّت صناعتُها وصياغتُها من خلالِ
الوسائِل السمعيّة والبصريّة لأغراضٍ ميكافيلليّة نفعيّة مقصُودة!
إذا
اتفقَ السياسيُّون سرَقُونا، وإذا اختلفُوا قتلُونا
وعليه
فـ"إنّ الشّعبَ هو الّذي يرضى ببُؤسِه، لا بل يسعى وراءَه... ثمّ ما الّذي هو
أعزّ على الإنسانِ مِنْ أنْ يستردّ حقّه الطبيعي، وبعبارةٍ أُخرى أنْ يعُودَ
إنساناً بعدَ أنْ أصبحَ حيواناً"([55])،
يستجدي من حُكّامه لقمة عيشٍ سرقوها منه في وضح النّهار. وهناك مقولةٌ جامِعة
تصوِّر حالنا أفضل تصوير، وهي: "إذا اتّفَقَ السيَّاسيُّون سَرَقُونا، وإذا
اختلفُوا قَتَلُونا"، ألا نرى ذلِكَ اليوم بأمِّ أعيُننا، ألا نرى كيف أنّ
اختلافَ السياسيِّين يفضي دائِماً إلى إشعالِ حرُوبٍ غير عادِلة، وإذا ما اتّفقُوا
وراءَ الكواليس فإنّهم يتاجرون بموارد الشعب الاقتصاديّة. وفي هذا المعنى قال جورج
أورويل: "السياسيُّون في العالَم كالقرُودِ في الغابة: إذا تشاجَرُوا أفسدُوا
الزَّرْعَ، وإذا تَصَالَحُوا أكلُوا المحصُول". وعندما يُشعلُ السياسيُّون
الحرُوب، بعد اختلافِهم في المصالِح، يُسْتَدْعى الفقراءُ للدِّفاعِ عنِ الوطن،
فيُزج بهم في محرقةِ حربٍ ضروس لا ناقةَ لهم
فيها ولا جمل. وعندما تضعُ الحربُ أوزارَها، وتنتهي المعارِكُ بانتصارِهم على
أعدائِهم، يُتَوّجُ الأغنياءُ، وتُعَلّق الأوسمةُ والنياشين على صدُورِ هؤلاءِ القادة
والسياسيِّين. وإذا رُمْنا شاهِداً حيّاً على ذلِك؛ يكفينا أنْ نستدعي صُورة تلك
المرأة الّتي كانتْ تُلوِّح بصُورةِ ابنها الفقيد - في أثناءِ الحربِ العالميّة
الثانيّة – فسارعتْ نحو قائدٍ عسكريِّ، وقالت له: "هذا ابني يا سيّدي: الحربُ
انتهتْ وهو لم يعدْ! مسكينةٌ هذهِ الأم، لا تعلمُ أنّ الحرُوبَ لا يعودُ منها إلاّ
قادتُها". وأنا أضيف: وإذا عادُوا تُوِّجَ النصرُ باسمِ القادة، وليسَ بأسماءِ
الّذين فُقِدُوا! كما أنّ "التّاريخَ لا يتذكّرُ الجنودَ، التّاريخُ يتذكّرُ
الملُوكَ فقط!"([56]).
وفي مواسِم الانتخابات يتنافسُ السياسيُّون في إغراقِ المواطنين بالعهود المغرية
الواهِمة، والوعُودِ المعسُولة الكاذِبة، الّتي لم تعد تنطلي إلّا على الدّهماءِ
والسذج. وما أجمل ما صوّرَهُ (نيكيتا خروتشوف)؛ بقولِه: "السياسيُّون كُلّهم
مُتشابِهون، فَهُمْ يَعِدُونكَ ببناءِ جِسْرٍ حيثُ لا يوجَدُ أصلاً نَهْرٌ"! لِذا
فإنّ انتخاباتِهم محسُومة نتائِجُها سلفاً، بحيث لا تأتي بالتغيير الحقيقي، أو
بالأصحِّ لا يريدُون التّغييرَ أصلاً. وفي هذا قال الكاتب الأمريكيّ (مارك توين):
"لو كان التصويتُ يأتي بالتّغييرِ، لما سَمَحُوا لنا به!"([57]).
لقد
أصبح همُّنا اليوم مُراقبة الحكومة، ولكن في بيوتِنا. ومُحاسبتها، لا في البرلمان،
وإنّما في المقاهي ومجالِس الأُنس والمسامرة. لقد أصبحنا حقّاً مجرّد آلاتٍ حاسبة
لوارداتِ الحكومة، ونفقاتِها. فنقف أمام الأرقام مذهولين مشدوهين، فلن يبقى لنا من
الإجراء الحسابي سوى الحزن والألم والأسى والحسرة. حتّى أصبحنا يوميّاً نحسِب
ونُحصي ما يدخلُ في جيوبِ حكومتِنا الموقّرة، فتضنّ علينا بالإنفاقِ طمعاً وجشعاً،
ولكنّها لا تني في صرفها في مجالاتٍ فنيّة مُهمّة، ترقّق الذوق، وتلطّف الإحساس!!
ففي زمن الفَقْر المدقع، أصبحتْ حكومتنا سخيّة على الفنّانين والفنّانات، وكريمة
في الإنفاقِ على حفلاتِ الرّقص الماجنة في ليلة رأس السنة الميلاديّة، وغيرها من
المناسبات المتخمة بالسرف والبذخ والترف، فتجدُ العري معرُوضاً على طبقٍ مِنَ
الإغراء، وتبث عبر القنوات الفضائيّة، في وقتٍ لا يجدُ فيه
المواطنون لقمة عيش تسدُّ كفافهم، ولا تجدُ من
لدن الحكومة استراتيجيّات عمليّة ناجِعة، سِوى القيام بإجراءات تقشفيّة قاسية
جدّاً بحقّ المواطِن المسكين الأعزل.
الإعلام
المسيّس وأثره في صناعة النجوم
ومِنَ
المؤسِي حقّاً أن نقرِّرَ هُنا أن واقِعَنا الرّاهن يؤكّد هذهِ الحقيقة الدّامغة
التي أومأنا إليها آنفاً، ويثبتُ بالدّليلِ القاطِع أنّ الطلبةَ والطالباتِ
أصبحُوا مُغْرَمين بالممثلينَ والممثلات، والمطربينَ والمطربات، فضلاً عن اللاعبين
واللاعبات، وجعلُوا من هؤلاءِ مثلَهُم الأعلى في حياتِهم العمليّة؛ نتيجةَ هذا
القصف المستمرّ من ذلِكَ البث الإعلاميّ غيرِ الهادِف عبر الشاشةُ الصّغيرة، الّتي
زيّنتْ صورتهم، وضخّمت سيرتهم، وجعلتهم نجوماً يُقتدَى بهم. أمّا العلماءُ،
والمدرِّسُون، فقد أصبحُوا مثارَ سُخريتهم، وتندّرهم، ومصدرَ شفقتهم؛ فَهُمْ لا
يَمْلِكُون حذاءً جديداً، ورُبّما يلبسُون - على مدارِ عامٍ كامِل - رداءً واحِداً
مُتهالِكاً! وعربتُهم العتيقة الّتي يستقِلّونها لم تتغيّر، فهي ما زالتْ تترنّحُ
في طريقِها كالسُلحفاةِ المتثاقلة. يقول (براين غرين): "حينَ يبدأُ أطفالُنا
بالنّظرِ إلى العُلماءِ كقدوةٍ ومَثَلٍ أعلى، كما ينظرُون الآن إلى المطربينَ والممثلينَ،
حينها فقط ستبدأُ حضارَتُنا بالتطوُّر نحو مرحلةٍ جديدة!". أمّا إذا نظرُوا
إلى عُلمائهم هذهِ النَّظرةَ - الّتي ذكرناها -، فإنّ العصُور الحجريّة ستكونُ في
انتظارِنا على أبوابِ مُستقبلِنا الآجل، وخاصّةً إذا عرفنا أنّنا أمّة تلبسُ مِمّا
لا تنسج، وتأكلُ مِمّا لا تزرع، وتشربُ مِمّا لا تعصر! فنحنُ مجتمعٌ استهلاكيّ إلى
درجةٍ أصبحنا معها عالةً على الكوكبِ الأرضيّ، نستهلكُ فقط دون أن نُنتج شيئاً
لأبنائِنا وأحفادِنا.. وفي هذا المقامِ تحضرُني مقولةَ المفكِّر (ياسِر حارب)؛
وهِيَ أنّ "المجتمعَ الّذي يتنافَسُ أفرادُه على شراءِ الكُتُب، لا بُدَّ أنْ
يتفوّقَ على المجتمعِ الذي يتنافَسُ أفرادُه على شراءِ الهواتِف النقّالة"!
هذا هو الحكمُ الصحيح على المجتمعات، ولهذا؛ قيلَ لأرسطو: كيفَ تحكمُ على إنسانٍ؟
فأجابَ: أسألهُ كَمْ كتاباً يقرأ، وماذا يقرأ! ويُروى أنّ رَجُلاً كان يَتَبَخْترُ
أمام سُقراط، مُتباهياً بجمالِ هيئتهِ، وأناقةِ مظهرِه، فقالَ لهُ سُقراط: تكلّم
حتّى أراك! فقيمةُ الإنسانِ في مخبره، وليسَ في مظهره، ورُقي الأمم في رُقي الكتبِ
التي تقرأها، وهذا ما أكّدهُ (نزار قبّاني)؛ بقولِه: إذا أردتّ أنْ تعرفَ رقيَ
أُمّةٍ، فانظرْ إلى الكتُبِ التي تقرأها! ففي الدولِ العربيّة أكثرُ الكتُبِ
مَبيعاً هِيَ كتُبُ الطّبخ وتفسير الأحلام، وهذا دليلٌ على أنّنا أمّةٌ تأكلُ
وتنام! وفي هذا المعنى قال الدكتور (علي الوردي): "أُمّةٌ تأخذُ دينَها من
مُفسّري الأحلام هي قطعاً أمّةٌ نائمة"! فهناك فرقٌ شاسِع بينَ أُمّةٍ
مشغُولةٍ بتفسيرِ الأحلام، وبينَ أُمّةٍ مشغُولةٍ بتحقيقِها! وهناكَ بَوْنٌ واسِع
بين مجتمعٍ يَزْدري القراءةَ، ويسخرُ مِنَ القُرّاء، وقد لا يرى أفرادُه المكتبةَ
طيلةَ حياتِهم، وبينَ مُجتمعٍ القراءَةُ ديدنُه، والكتابُ أنيسُه، والمكتبةُ
صومعتُه!
القراءة
الواعية: الحصن المعرفيّ لغارات الإعلام المسيّس
لا
جَرَمَ أنّ الحضارةَ كامِنةٌ في القراءة؛ لهذا كانتْ أوّلُ كلمةٍ أُلقيت على رَوْعِ الرسُولِ الكريم (عليهِ الصّلاةُ
والسّلام) هِيَ كلمةُ (اقرأ).. فبالقراءةِ تتوسَّعُ آفاقُنا، وتتعمَّقُ أفكارُنا،
وتسمُو مدارِكُنا، وتتحرّرُ إراداتُنا، فـ"القراءةُ فعاليّةٌ نظرَ إليها
الحاكِمُون بعينِ الفتُورِ دائِماً. لم يأتِ مِنْ قبيلِ الصُدفةِ تمريرُ القوانين
ضِدّ تعليمِ العبيد القراءةَ في القرنِ التّاسِع عشر، حتّى قراءة الكتاب المقدّس،
فَمَنْ يستطيعُ أنْ يقرأَ الكتابَ المقدّس؛ سيتمكّن أيضاً من قراءةِ كُرّاسٍ يدعُو
إلى إلغاءِ الرقّ. إنّ الجهود والحِيَل التي اجترحها العبيدُ ليتعلّمُوا القراءةَ؛
بُرهانٌ دامِغ على العَلاقةِ بينَ الحريّة المدنيّة وسُلطة القارئ، ودليلٌ على
الخوفِ الّذي تثيرهُ تلكَ الحريّة وتلكَ السُلطةِ في نفُوسِ الحُكّام، على ضروبهم
كافّة"([58]).
هذا؛
وقد نظرَ (كوندرسيه) إلى التعليم على أنّهُ الوسيلةُ الأساسيّة للتقدُّم؛ لأنّهُ
يقومُ على تربيةِ العقلِ، وتفجيرِ طاقاتهِ في الكشفِ عن قوانينِ الطبيعة، كما
يقومُ على إرساءِ أرضيةٍ للتنافُسِ الاجتماعيّ على أساسِ الأهليّة العقليّة، تفتحُ
البابَ أمامَ الجميع لتحقيقِ المساواةِ والعدالة، وتكافؤ الفُرَص. باختصار كانتْ
قيمةُ التعليمِ كُلُّها نابعةً مِنْ فكرةِ الحُريّة الّتي يُعطيها للفردِ
وللمجتمع، وهو رمزُ هذهِ الحريّة التي تقفُ على طرفٍ نقيض مِنْ نظامِ الطوائِف
والطبقاتِ المغلقة والثابتة الّتي قامَ عليها النظامُ الإقطاعيّ. ولأنّ التعليمَ
هُوَ الحُريّة، فهو أيضاً وبالضرورةِ أصلُ التقدّم وقاعدته([59]).
لذا؛ فما أحرى بنا أن نجعلَ فِكْرَنا مُضيئاً
بشعلةِ القراءة وزناد التفكير! حتّى تتوسّعَ أفكارُنا، وتضيقَ عباراتنا، ولهذا قال
(النفريّ): "كُلّما اتّسَعَتِ الفكرةُ ضاقتِ العبارةُ"، فالقراءةُ
المتعمِّقة هي الحِصْن الحصين الّذي يحولُ دون تغييبِ عقولِنا وتخديرِها بجرعاتِ
الإعلامِ المسيّس. وفي هذا قال (نيكولا تيسلا)([60]):
"واحدة من أكثر النتائج المرضية للتطوّر الفكريّ؛ هو الانفتاح المستمر نحو
آفاقٍ جديدة وأكبر".
ومن
المعلُوم كما قال المفكّر البوسني (علي عزت بيجوفيتش): إنّ "القراءة المبالغ فيها
لا تجعلنا أذكياء، بعضُ النّاس يبتلِعُون الكتب؛ وهم يفعلُون ذلك بدون فاصل للتفكير،
وهو ضرُوريّ لكي يُهضم المقروء، ويُبنى، ويُتبنّى، ويُفهم. عندما يتحدّث إليك النّاس
يخرجون من أفواههم قِطعاً من (هيجل)، و(هايدجر)، أو (ماركس)، في حالة أولية غير مصاغة
جيِّداً.. عند القراءة، فإنّ المساهمة الشخصية ضرُوريّة مثلما هو ضرُوريّ للنحلة العمل
الداخليّ، والزّمن، لكي تحوِّلَ رحيقَ الأزهار المتجمِّعة إلى عسل".
فالقراءةُ
- بعبارةِ (جون لوك) - تمدُّ العقلَ بمادّةِ المعرفةِ، ولكنّ التفكيرُ هُوَ الّذي
يجعلُنا نملكُ ما نقرأهُ. ومن يريدُ معرفةَ نفسهِ، فليفتحْ كتاباً. والكتابُ
الجيِّد هو الّذي يُحَفِّزُنا إلى العمل. فـ"اجعل ما في كتُبِكَ رأسَ مالِكَ،
وما في صدرِكَ للنفقة". والقراءةُ - بتعبيرِ بنجامين فرانكلين - تصنعُ
رَجُلاً كامِلاً، والتأمّلُ رَجُلاً عميقاً، والمحادثةُ رَجُلاً واضِحاً. هذا، وقد
قيلَ لسُقراط: أَمَا تخافُ على عينيكَ مِنْ إدامةِ النّظرِ في الكُتُبِ؟ قال: إذا
سلمتِ البصيرةُ لم أحفَلْ بسقامِ البَصَر! فالكتبُ هي ثروةُ الدنيا المخبوءة،
وميراث الأجيال والشعُوب، وهي إرثُ الإنسانيّة الأعظم، وهي وسيلةٌ للتفكيرِ
الأصيل، ومُستودع المعرفةِ الرّصينة، ومعلِّمُ الإنسانِ الصّامِ.
ولكنَّ
الكتُبَ في عالمِنا اليوم أصبحتْ تندبُ حظّها؛ بعد أنْ تركها النّاسُ من أجلِ
شبكاتِ التواصُلِ الاجتماعيّ، التي تقتلُ الوقتَ
والتفكيرَ معاً، وتسهمُ في اعتقالِ وعي الجماهير، ووضعه في مُعتقلاتٍ أيديولوجيّة،
وبالتالي تعليبهِ بقوالِب مُعلّبة ممهورة بـ(ماركاتٍ) حكوميّة مُسجّلة! وإلى هذا
المعنى ذهب (مصطفى محمود) مُؤكِّداً بقوله: "إنّ الكتابَ الجيِّد يُحَرِّرُ
الإنسان الّذي يقرأهُ، أمّا التلفزيون الجيِّد؛ فيعتقلُ الإنسانَ الّذي
يُشاهِدُه!".
استراتيجيّة
سقراط في التوثيق من الخبر، وامتحان صحته
ومن
هنا تقتضي الضرورة المعرفيّة أنْ يُوجّه المفكِّرون طاقاتِهم مِنْ أجل شحنِ
العقولِ من جديد بالفكرِ الواعي الأصيل، حتّى لا يكونَ النّاسُ ضحيّة سهلة لهذهِ
القنواتِ المؤدلجة، وتحصينهم من التّضليل والتّزييف والتّحريف الإعلامي. وما أحرى
أنْ نستفيد في هذا المجال باستراتيجيّة (سقراط) في التوثيق من الخبر. ويُحكى في
هذا الصّدد أنّ أحد الأشخاص زارَ الفيلسوف الكبير (سقراط)، وبعد التحية والسلام
قال له: "عزيزي سقراط، هل سَمِعْتَ ما يقولُون عن صديقِك؟". أجابه
سقراط: "لا"! وعلاماتُ الدّهشة مُرتسمة على وجهه، ولكن قبلَ أنَّ تقصَّ
عليَّ خبرك، قل لي: هل مرّرت قِصّة صديقي عبر المصافي الثلاثة. "مصافي!"
أيّ "مصافي"، أجابَه الضيف بدهشة! نعم، قبلَ أنْ يحكي الإنسان أيَّ شيء
عن شخص آخر لا بُدَّ من تصفيته ثلاث مرّات. المصفاة الأولى: هي مصفاة الحقيقة، فهل
تحقّقت من أن ما تريد إخباري به هو الحقيقة؟ فأجابه: لا، ليس بالضبط، لم أرَ الشيء
بنفسي، سَمِعْتُه فقط. فقال سقراط: حسناً، أنت لا تعرفُ إذن إنْ كانتِ الحقيقة،
فلننظرِ الآن إلى المصفاة الثانية، وهي مصفاة الخير، هل ما تريد أن تخبرني به عن
صديقي خير؟ فأجابه الرّجُل: آه، لا، بَلْ على العكس سَمِعْتُ أنَّهُمْ يقولُون عن
صديقك أنَّه أساءَ التصرّف. فاستنتجَ سقراط مِنْ ذلِكَ بقولِه: إذن تريدُ أنْ تحكيَ
لي أشياء شرّيرة عنه، وأنت لا تعرفُ إذا كانت حقيقيّة أم لا، هذا لا يُبشّر
بالخير، ولكنّك تستطيع أنْ تُكمِل الاختبار، وما زالت أمامَك، المصفاةُ الثالثة،
وهي مصفاة الفائِدة: ترى هل من المفيد أنْ تُخبرني بما فعلَ صديقي؟ فأجابَه:
مفيد؟! لا، في الحقيقة لا أعتقد أنّه مفيد. فعلّق سقراط بقولِه: إنّ ما ستقولُه عن
صديقي ليس حقيقة، ولا خيراً، ولا فائدة فيه، فَلِمَ تريد إذاً أنْ أسمعَ منك؟ من
الأفضل أن تنسى كُلَّ هذا". وتعليقاً على هذه المحاورة المعرفيّة، فقد قيل "إن
الكثير منّا لديه حبّ الاستطلاع، ولذا ترى بعضهم يسعى دائماً لملء رغباتِه
بالاستماع لأيِّ شيءٍ عن الآخرين، وفي كُلِّ يوم تغرقنا وسائلُ الإعلام المتنوّعة
بسيلٍ عرم من الإشاعات والأخبار والدعايات. ترى ماذا لو طبّقْنا مبدأ المصافي
الثلاثة، فكم ستبقى لدينا من خبرٍ صحيح وجيِّد ومُفيد، طبعاً ليس الشيء الكثير"([61]). ومن هُنا، فإنّ الكثير والكثير مِنَ الأخبار الّتي
نتلّقاها يوميّاً إذا وضعناها تحت محكِّ هذهِ المصافي الثلاث تكون بمثابة مفترياتٍ
أو مختلقاتٍ ليس لها أساسٌ من الصِحّة والسّلامة والمصداقيّة.
والسؤالُ
المطرُوح هنا: كيف يستطيع الإنسان البسيط والمواطِن المقهُور أصلاً التمييز بين
الخبر والدعاية والإشاعة، والتفريق بين الخبر الجيِّد والخبر السيئ، والخبر التافه
المغلّف بشيءٍ من الأهمية، وكيف يمكنه الصمُود وسط بنية اجتماعيّة ساكنة، هاجسُها
الرئيسُ هو ملء البطُون والجنس والثرثرة في أحاديث فارِغة، واجتراره لقتل الوقت في
مُتابعة قنواتٍ إعلاميّة غير هادِفة، قنوات لا تني في تحويل الإنسان إلى كائنٍ
سلبيّ لا أمل فيه، أو إلى سلعة استهلاكيّة؟([62]). لا شك أنّ الإنسان الواعِي يُمكنه أنْ يميِّز بين
الخبر والدعاية، ويفرّق بين النصِّ المهم والبثّ التافه، إذا ما وضعها على محكِّ
العدلِ والتّجريح، والنقدِ والمساءلة، وبإمكان كُلِّ إنسانٍ أنْ يفعلَ ذلِك عن
طريقِ التّقليلِ من ساعاتِ تلقِّي الأخبارِ العرضيّة والإعلاناتِ التّافهة التي تقتلُ
أثمن أوقاتِنا، وتجعلنا أسارى حاجاتِنا الاستهلاكيّة - الكماليّة، وحيثُ يكون التّضليل
الإعلامي موجُوداً، تكون الهيمنة الاجتماعيّة قائِمة.
المعلِّم
النّاجح: أس النهضة وقاعدة التحصين المعرفي
يُعَدُّ
المعلِّم الحقيقيّ مِنْ أهمِّ أدوات إنتاج الوعي وتسويقه في وسط طلابه، وجعلهم
يُدركون ما يدورُ حولَهُم من أحداث، وهو القاعدة المتينة التي تسهّل مهمّة
الإقلاعِ الحضاريّ. ومن أراد أنْ يُدشِّن نهضة حضاريّة، عليه أنْ يبدأ بالمعلِّم
وتنميةِ قدراتِه ودعمه ماديّاً ومعنويّاً. وما أحرى بنا أنْ نقتديَ - في هذا المجال
- بمؤسِّسِ نهضةِ سنغافورة الجديدة (لي كوان يو) - رئيس وزرائها الأسبق – الّذي
قال: أنا لَمْ أَقُمْ بمعجزةٍ في سنغافورة، أنا فَقَطْ قُمْتُ بواجبي نحو وطني،
فخَصَّصْتُ موارِدَ الدّولةِ للتعليم، وغيَّرْتُ مكانةَ المعلِّمينَ من طبقةٍ
بائِسة إلى أرقى طبقةٍ في سنغافورة. فالمعلِّمُ هُوَ مَنْ صنعَ المعجزة، هُوَ مَنْ
أنتجَ جيلاً مُتواضِعاً يُحِبُّ العِلْمَ والأخلاقَ، بَعْدَ أنْ كُنَّا شعباً
يشتمُ بعضهُ بعضاً في الشّوارِع!
ومِنْ
هُنا، فما أحرى بمُنتجي الفكر، ومُنظِّري المعرفة، أنْ يُوجّهوا النّاسِ جميعاً
إلى القراءةِ العميقة المتفحّصة؛ لأنّها تمثِّل أسُّ التعليم الصحيح. وقبل ذلك لا
بُدّ من إعادةِ الاعتبار للمعلِّم ومكانتهِ الاجتماعيّة، "فقد أصبح المعلِّمُ
اليوم الأنموذج الاجتماعيّ الرديء، الفقير، المهزُوم، الّذي يدفعهُ العَوَزُ، إلى
مواقِفَ ومُمارساتٍ، قد تزري بالقضية التعليميّة"([63]). فالمعلِّمُون في بلادنا - ببالغِ الأسى والأسف - قد
أصبحُوا مِنَ الأصناف التي تستحقّ الزكاة؛ ولهذا قيل: "ماذا تتأمَّلُ من
مُجتمعٍ يكونُ فيهِ المعلِّمُ والمدرِّسُ والأُستاذ الجامعيّ مِنَ الأصناف الذين
يستحِقُّون الزكاة. إنّها همجيّةُ الاستخفافِ بالعِلْم!". وفي هذا المعنى قال
المفكّر الشهير (علي شريعتي): المعلِّمون في بلادي بُؤساء، أتعرِفُ لماذا؟ لأنّ حُكّامَنا
طُغاة، والطّغاةُ عبرَ التّاريخ ضِدّ تعليمِ الشّعب، مهما ادّعوا. فالتعليمُ يعني الوعي،
والوعيُ يدفعُ الشّعبَ للمطالبةِ بالحقُوقِ، ومُحاسبةِ الحُكّام! فَمَنْ يَصِلُ
إلى السّلْطةِ مُعتمِداً على جهلِ الشّعب، لَنْ يهتمّ مُطلقاً بالتّعليمِ والمعرفة
لشعبه؛ لأنّ تنويرَهُم وتعليمَهُم هو نهايته! فـ"كلُّ ما يتطلّبهُ الطغيان؛ هو
بقاءُ ذوِي الضّمير الحي صامِتين".
فالمعلِّمُ
والمدرِّسُ والأستاذ الجامعيُّ بدأوا يشعرُون اليوم، أكثر من أيِّ يومٍ مضى، أنّه
لم يعدُ لشهادتهِم قيمة، وأصبحوا يتجرّعون تلك الحقيقة المرّة التي أُعلن عنها
مُؤخّراً؛ وهي أنّ "الشهادةَ الجامعيّة هِيَ الشيءُ الوحيدُ الذي دَفَعْتَ
ثمناً باهِضاً مِنْ عُمرِكَ لأجلِها، والكارِثةُ أنّها لا تفيدُكَ بشيء"!
لأنّ "الشهادةَ تحوّلتْ إلى شهادةٍ على البطالة"([64]).
نعم، يا لَلْكارِثة! سنواتٌ من المشقّة والإرهاق، وسَهَرِ الليل والنّهار،
ومُقاساةِ الحرِّ والبَرْد، وبذلِ الغالي والنفيس مِنْ أجلِ هذهِ الشهادةِ التي
كُنْتَ تحلمُ بها في منامِكَ، وتراها أغلى ما تتمنّاهُ في مسيرةِ حياتِكَ
التعليميّة، ولكنّك تصطدمُ بصخرةِ الواقِع القاسية: الشهادةُ لم تَعُدْ ذات قيمة،
بَلْ أصبحتْ شيئاً بالياً لا يُجدي نفعاً ولا يدرُّ مالاً! فلماذا إذاً، أركضُ
وراءَ شهادةً لا تُطْعِمُ خُبْزاً، ولا تحسِّنُ وَضْعاً، فـ"الشّهادة أصبحتْ
ورقةً تُثبتُ أنّكَ مُتعلِّم، لكنَّها لا تُثبتُ أنَّكَ تفهم! نعم؛ لأجلِ ماذا
أبذلُ قُصارى جهدي في سبيلِ شيءٍ جُرِّد من القيمة، وانْتُزِعَتْ منه المكانة؟!
والأصلُ
أنْ نكافِحَ مِنْ أجلِ قيمتِنا الضّائعة تحتَ دُولابِ القَهْرِ والإذلالِ
والاستعباد، وقد أرشدنا إلى هذهِ الحكمةِ عالِم الفيزياء الشهير (ألبرت أنشتاين)،
حينَ قال: لا تكافِحْ مِنْ أجلِ النّجاح، بَلْ كافِحْ مِنْ أجلِ القيمة! فالقيمةُ
العلميّة التي ينالها التدريسيُّون في درُوبِ العلمِ والمعرفةِ تكسبهم فخراً،
وتمنحهم سُلطةً أعلى من جميع السلطاتِ، وإنْ جُرِّدوا مِنَ السُلطةِ الماديّة،
وكيف لا وهُمْ يمثّلُون حجرَ الزاوية في بناء المجتمعاتِ الإنسانيّة وتطوّرِها،
هذا، "وإنّ جزءاً من شُهرةِ الجامعاتِ المعرُوفة عالميّاً تأتي مِنْ شُهرةِ
الأساتذةِ الّذين يدرسُون فيها. لهذا، فإن توفيرَ أقصى ما يُمكن مِنَ التقديرِ
والرفاهية للأساتذة الجامعيين، فضلاً عن المعلِّمين، قد حدتْ ببعضِ البُلدانِ
الأوروبيّة إلى عدمِ تحديدِ راتب شهريّ مُعيّن للمتميِّزين منهم، مهما بلغ هذا
الرّاتِب، بل يجري تزويدهم بـ(شيكات)، ليصرفوا ما يشاءوا منها دون حِسَابٍ أو
مُساءلة!"([65]).
أمّا
المعلِّمون في بُلداننا اليوم، فقد بدأ بعضُهم يستجدي عطفَ طلبتهِ الّذين تعبَ في
تدريسهم، وضحّى بوقتهِ من أجلهم، واستسلم أخيراً أمام شظف الحياة، وليس تحت صدمةِ
المغريات، وشرع يسعى جاهِداً لسلُوكِ طرُق أُخرى، سلبيّةً كانت أم إيجابيّة. ومن
هُنا بدأتْ ظاهرةُ الغِشّ تَسْري في أحضانِ المؤسّساتِ التعليميّة، التي صُرفت
مِنْ أجلِها الملايين، وبدأ الانهيارُ يدبُّ رُويداً رويداً في مفاصِل وطنِنا
الجريح. وكلّنا يعرفُ أنّ الغِشَّ كان سلُوكاً شائِناً شائِهاً في مجتمعِنا
النزيه، ولكنّه الآن أصبحَ يُنظر إليهِ - عند بعضِهم - بوصفهِ حالةً طبيعيّة
يقتضيهِا الواقِعُ الرّاهن، وكأنّنا نسينا أنّه بالغِش تموتُ الأوطان ويُقْهَر
الإنسان. وتأكيداً على هذهِ القضيّة "كَتَبَ أحدُ الأساتذة الجامعيِّيْنَ،
لطُلاّبِه في مرحلة الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس، رسالةً مُعبِّرة وضعَها
على مدخل الكليَّة في الجامعة بجنُوب إفريقيا، هذا نصُّها: تدميرُ أيِّ أُمَّةٍ لا
يَحْتاجُ إلى قنابلَ نوويّة أو صواريخَ بعيدة المدى، ولكن يحتاجُ إلى تخفيضِ
نوعيّة التّعليم، والسّماح للطلبةِ بالغِشِّ! يموتُ المريضُ على يدِ طبيبٍ نجحَ
بالغِش، وتنهارُ البيُوتُ على يدِ مُهندسٍ نجحَ بالغِش، ونَخْسَرُ الأموالُ على
يدِ مُحاسِبٍ نجحَ بالغِش، وتموتُ الإنسانيّة على يَدِ شَيْخِ دينٍ نَجَحَ
بالغِشّ، ويضيعُ العَدْل على يدِ قاضٍ نجح بالغِشِّ، ويتفشى الجهلُ في عقُولِ
الأبناءِ على يدِ مُعَلِّمٍ نجحَ بالغِش، فانهيارُ التّعليم يُساوي انهيارَ
الأُمّة".
وقد
وردَ في المثلِ الإنكليزيّ ما يماثِلُ هذهِ الفكرة؛ وهِيَ: إنّ خطأَ الطبيبِ
يُدْفَنُ تحتَ الأرض، وخطأَ المهندِس يقعُ على الأرض، أمّا خطأُ المعلِّمِ فيَمْشِي
على الأرض! فالطبيبُ قد يكونُ سبباً في وفاةِ أحدِ المرضى؛ نتيجةَ التسرّع
والتشخيص الخاطِئ. أمّا المهندِس فيكون سبباً في انهيارِ بناية شاهِقة؛ نتيجةَ
هندسةٍ خاطِئة. أمّا خطأُ المعلِّمِ فيتوارثهُ النّاسُ جيلاً بعد جيل! فهذا هو
سِرُّ احتفاء الدولِ المتقدِّمة واحتفالِها بالمعلِّمين وتقدير مكانتهم.
مِنَ
السُخريةِ أنْ نقولَ هُنا إنّهُ "لَمْ يَعُدْ هناكَ داعٍ لصرفِ الملايين على
أفلامِ الرُّعْب من أجلِ إصابةِ النّاسِ بالخوف، فواقِعُنا أصبحَ أكثرَ رُعْباً من
جميعِ الأفلام"! ورُبّما سَمِعَ العديدُ مِنّا تلك الرِّسالة الطّريفة التي
بعثها مُغْتَرِبٌ إلى أهلِه ساخِراً، وقد كتبَ فيها: انتهى الزّمنُ الذي كان فيهِ
أهلُنا يخافُون علينا في الغُرْبة، وأصبحْنا نحنُ في غُرْبتِنا نخافُ عليهم في
الوَطَن! فـ"الرُّعْبُ الحقيقيُّ هُوَ أنْ يخافَ المواطِنُ حقّاً مِنَ
الوَطَن"! لأنّهُ رُبّما لا يجدُ فيهِ أبسطَ حقُوقهِ الإنسانيّة. يُقال أنّ
أمريكيّاً سألَ رَجُلاً عربيّاً: ما هِيَ أحلامُكَ؟ فأجابَ العربيُّ: وظيفة، وبيت،
وزوجة، وسيّارة.. فأجابَهُ الرّجلُ الأمريكي: أنا سألتُكَ عَنْ أحلامِكَ، وليسَ
عَنْ حقُوقِكَ! فقد نسيَ المواطِنُ الشرقيُّ حقوقَهُ المشرُوعة التي أصبحتْ في
مخيالهِ شيئاً قريباً من نوباتِ الأحلام الورديّة! فأغلبُ أحلامِنا - مع الأسف -
أصبحتْ حقُوقاً مُصانة محفُوظة في بُلدانٍ أُخرى، لذا "لا تلُومُوا مَنْ
هاجَرَ وطنَهُ، لَوْ كان وطناً ما تَرَكَهُ!"، فـ"إنْ لَمْ يُعْجِبْكَ
مكانُكَ، قُمْ بتغييرِه، فأنتَ لستَ شجرة!"، ومن هُنا فنحنُ "قَدْ لا
نعلمُ مَنْ باعَ الوطن، ولكن بالتّأكيدِ نعرِفُ مَنْ دفعَ الثّمَن"، لقد دفع
ثمنه غالياً الفقراء.. فأنتَ أيّها الشرقيّ "حينَ تُنْفِقُ معاشَكَ بكامِله
مِنْ أجلِ الطّعامِ ومكانٍ للنّوْمِ فقط، في هذهِ الحالةِ لا يُمكن اعتبارُ العملِ
فُرصةً للتطوُّر الاجتماعيّ، ولكن مجرّد وسيلةٍ للبقاءِ على قيدِ الحياة. في
الحياةِ الحقيقيّة هذا يُسَمَّى عبُوديّة"!
ففي
"مُجتمعاتِنا كُلُّ شيءٍ ازداد سِعْرُه إلاّ الإنسانَ، الّذي لم يَعُدْ لهُ
أيّ قيمة"! وفي هذا المعنى قال الشّاعِر (محمود درويش): بالأمسِ كُنّا نفتقدُ
الحريّة. اليوم نفتقدُ المحبّة، أنا خائِفٌ مِنَ الغد؛ لأنّنا سنفتقِدُ
الإنسانيّة! وأكّد (تشي جيفارا) هذهِ الفكرةَ؛ بقولهِ: "إذا فرضتَ على
الإنسانِ ظرُوفاً غيرَ إنسانيّة ولَمْ يتمرّدْ؛ سيفقِدُ إنسانيّتَهُ شيئاً
فشيئاً!"، فالحُريّة الحقيقيّة التّي تُتيحها
الحكومات ليستْ ترفاً ورفاهةً وزيادة فَضْلٍ. إنّها خاصّة جوهريّة. والحكومةُ
الّتي تسلبُ حُريّة الإنسان الّتي منحها الله إيّاهُ، فهي لا تَسْلُبُه شيئاً
يُمكن أنْ يعيشَ بدُونِه أو يتقوّم بغيرِه؛ إنّما تَسْلُبُه (ماهيتَه) الّتي بها
يكونُ بشراً، يبتكرُ ويختارُ ويُبْدِع، ويحمِلُ مسؤوليّته ولا يُلْقِيها على عاتق
الآخرين مِمّن يختارُون له، ويُسيِّرُونه، ويُوجِّهونه توجيهاً آلياً مُبرمجاً([66]).
الإعلام
المسيّس وتسليع الإنسان، وتعليب وعيه
ومن
هُنا فـ"إنّ الاقتصادَ - حسب تعبيرِ (مالك بن نبي) - ليسَ قضيةَ بنك، وتشييد
مصانِع فَحَسبْ، بَلْ هُوَ قبلَ ذلِكَ تشييدُ الإنسان، وإنشاء سلُوكهِ الجديد
أمامَ كُلِّ المشكلات"! ولكن الإنسانَ عندنا هو آخرُ شيءٍ نفكِّرُ فيه،
فقيمةُ الإنسانِ عندنا في مالهِ الذي في حَوْزته، أو في مَنْصِبهِ الّذي وصلَ إليهِ
لا عن استحقاقٍ وجدارة، وإن كان عديم العِلْم والمعرفة. هذهِ هي الثقافة الرائجة
في بُلداننا: الأغنياء مُتْخَمُون ومُحْترَمُون والفُقَراء جَوْعى ومقمُوعون!
وكُلّنا يعلمُ والعهدةُ لـ(وِل ديورانت) أنّهُ "لا يمكن احتلالَ حضارةٍ عظيمة
من قبلِ قُوّةٍ خارجيّة، إذا لَمْ تُدَمِّرْ نفسَها مِنَ الدّاخِل"، والشجرةُ
تبقى مئاتِ السنين، إنْ لم تكن مَنْخُورةً في داخلِها! فإذا دمّرْنا الإنسان، فما
الجدوى من تشييدِ العُمْرَان! وإذا أردنا أنْ نَعْقِدَ مُقارنةً بيننا وبين
سنغافورة الحديثة، وجدنا أنّ أهمَّ مشرُوعٍ بدأَ بهِ مُؤسِّسُها ورئيسُ وزرائِها
الأسبق (لي كوان يو)، هُوَ بناءُ الإنسان، ودَعْنا نستمعْ إليهِ، وهو يَصِفُ لنا
حالةَ (سنغافورة) إبّان عصرِ الاستبدادِ والفسادِ الإداريّ: إلى أيِّ درجةٍ كانتْ
سنغافورة الستينيّات قاسية: فَقْر ومَرَض، وفَسَاد وجَرِيمة، بِيعَتْ مناصِبُ
الدّولة لِمَنْ يَدْفَع، خَطَفَ الشرطيُّون الصغيراتِ لدعارةِ الأجانِب، وقاسَمُوا
اللصُوصَ والمومساتِ فيما يجمعُون. احتكرَ قادةُ الدِّفاعِ الأراضيَ والأَرُزَّ،
وباعَ القُضاةُ أحكامَهُمْ. قالَ الجميعُ: الإصلاحُ مُستحيل، لكنّنِي التفَتُّ إلى
المعلِّمينَ، وكانُوا في بُؤْسٍ وازدراء، ومنحْتُهم أعلى الأجُور، وقُلْتُ لَهُمْ:
أنا أَبْنِي لَكُمْ أجهزةَ الدّولة، وأنتُمْ تبنونَ لِيَ الإنسان! فكان المعلِّم
هو الأساسُ المتين الذي قامُ عليهِ بناءُ الإنسان في (سنغافورة) الحديثة([67]).
لذا، فإن (لي كوان يو) لم يألُ جُهداً في رفعِ قيمةِ المعلِّم ماديّاً ومعنويّاً؛
لأنه رأى أنّ فيهِ قيمةَ العِلْم، فبالعِلْمِ تقومُ الحضارة، وتترسّخُ المدنيّة،
ويتعالى العُمْران. هذا، وقد سُئل رئيس وزراء اليابان (شينزو آبي) عن سِرِّ التطوُّر
التكنولوجيّ في اليابان، فأجاب: أعطينا المعلم راتِب وزير، وحصانة دبلوماسيّ،
وإجلال الامبراطور! وعندما سألَه أحدُ الصّحفيِّينَ أيضاً عن سِرِّ نهضةِ اليابان،
أجابَ قائِلاً: نحنُ لا نمتلِكُ عقولاً خارِقة، لدينا مُعادلة بسيطة، وهي: عِلْمٌ
+ أخلاق + عمل = نهضة.
وإذا
فقد العِلْمُ قيمتَهُ، يفقدُ الإنسانُ كذلك القيمةَ المانحةَ له لعِلْمه؛ لأنّ
العِلْمَ هو الّذي يُعطي القيمةَ للإنسان، والعكسُ صحيح. وهذا لا يعني أنّ
الإنسانَ غيرَ المتعلِّم عديمُ القيمة، ولكن على الأقلّ فإنهما لا يستويان، فإذا
جُرِّدَ عنِ العِلْمِ القيمةُ، سيأتي يومٌ يُجَرَّد فيهِ الإنسانُ عن قيمتهِ التي
يَزْدهي بها، ومكانته التي يتباهى دونها، وبالتالي سيفقدُ شيئاً فشيئاً كُلَّ
إحساسٍ بالانتماءِ إلى أرضِ آبائهِ، ووطنِ أجدادهِ، الّذي أصبحَ مكاناً لترفِ
غيرهِ من المواطنين، الّذين لا يمنحُونه كذلِكَ وزناً ولا قيمة. فنزعُ القيمةِ عن
العِلْم، يجعلُ العَالِمَ يعيشُ حالةً من الوَهْمِ واللانتماء، فتتضعضعُ ثقته
بهُويته الواهية التي طالما تشدّقَ بها، وناضلَ في سبيلِ توطينها، على الرّغم من
تاريخنا الموغل في الزّمان، والمترامي في المكان، وشمُوخ أسلافِنا الذين أناروا
تاريخَنا بأمجادِهم العتيقة. ولكن علينا أن لا ننسى ما قالهُ (مالك بن نبي) أنه لا
يمكن أن نشفيَ أمراض المجتمع بذكرِ أمجادِ ماضيه! وأن كُلَّ محاولةٍ - كما قال
الغزالي - لاقتحامِ المستقبل بفكرِ عصُورِ الانحطاط لن تزيدَنا إلاّ خبالاً! وفي
هذا المعنى قال (مورغان فريمان): لَنْ تحصُلَ على غدٍ أفضل، ما دُمْتَ تفكِّر بالأمس!
وما أجمل تلك الحكمة التي تقُول: لن تستطيع تبديل الماضي، لذلِك رَكِّز على صُنعِ
مستقبلٍ عظيم!([68])،
وقال (جويل باركر)([69]):
"الفخرُ بالماضِي لا يضمنُ لكَ أنْ تكون شيئاً بالمستقبل؛ لأنّ قوانين
اللّعبة تتغيَّرُ باستمرار"!
لا
تستطيعُ أنْ تنزلَ في النّهْرِ نفسِهِ مَرَّتَيْنِ
فالعالَمُ
في تطوّرٍ مستمر، "وكلُّ شيءٍ في جريانٍ دائِم"، وفي هذا قال الفيلسوف
اليونانيّ (هيراقليطس) (535- 475 ق.م): "لا تستطيعُ أنْ تنزلَ في النّهْرِ
نفسِهِ مَرَّتَيْنِ"، ويُضيفُ (فلوطرخس) التفسيرَ الآتي: "لأنّ مياهاً
جديدةً تتدفَّقُ فيهِ"([70])،
فالنّهْرُ في مسيرٍ وجَرَيانٍ دائِمٍ لا يتوقّف، فالنّهْرُ بمعنى الحياة، والحياةُ
دائبةٌ دائِمة، أي: في حالةِ ديمُومةٍ واستمراريّة لا تتوقّف. فهذهِ الذرّات التي
تضرِبُ قَدَمَيْكَ لن تعودُ ثانيةً، إنّها تذهبُ إلى حيِّزٍ آخَر، فهناكَ حدوثٌ
وتجدُّد دائمين!
فالفيلسُوف
(هيراقليطس) يرى: أنَّ كُلَّ شيءٍ يتحوّل، والكونُ في حالةِ سيولةٍ مُتغيِّرة غير
ثابتةٍ أبداً، وإنَّ أحدَنا لا يُمكن أنْ ينزِلَ النهرَ نفسَهُ مرّتيْنِ، لأنَّ
مياهاً جديدةً ستَجري من تحتِه. و(هيراقليطس) كان يعتقِدُ أنَّ كُلَّ الأشياءِ في
الطبيعةِ تُغيِّر شكلَها باستمرار. "كلُّ شيءٍ يجري. كلُّ شيءٍ مُتحرِّك.
لذلِكَ "لا نستطيعُ أنْ ننزِلَ مرّتينِ إلى النّهرِ نفسِه. ذاك أنّنِي عندنا
أستحمُّ للمرّةِ الثانية يكونُ النّهرُ قَدْ تغيّر، وأنا أيضاً". كذلِكَ
ركّزَ (هيراقليطس) على التّناقُضاتِ المتلازِمة في العالَم. إذا لَمْ نصبْ أبداً
بالمرض، لا نعرِفُ معنى الصِحّة. وإذا لَمْ نَكُنْ عانينا قطّ مِنَ الجوع، لا
نعرِفُ فرحَ امتلاكِ الطّعام. ولو لَمْ تكنِ الحربُ، لما عرفْنا القيمةَ الحقيقيّة
للسّلام. ولو لَمْ يوجدِ الشِّتاءُ، لما استطعْنا أنْ نُشارِكَ ونبتهِجَ بتفتّحِ
الرّبيع([71])،
ولو لَمْ تذُق مرارةَ الجهل لم تعرفْ طعمَ العِلْم وحلاوته، ولَوْ لَمْ تقعْ في
الفوضى لم تعرِفْ قيمةَ النِّظام والتنظيم.
ومن
هنا تتعاظمُ حاجتُنا إلى الإعلانِ عن برامِجَ إصلاحيّة حديثة في التعليم، ولكنّنا
لن نصِلَ إلى أهدافِنا ما لَمْ نتحرَّر من قبضةِ الماضي، التي تتمثّلُ في أشكالِ
الإدارةِ القديمة والمناهِج وطُرق التدريس العتيقة، التي عفا عليها الزّمن، والّتي ما زالتْ تحكمُ قبضتَها على خناقِ تعليمِنا
الحاليّ، على الرّغمِ مِنَ المناهِج الحديثة المستوردة هُنا أو هُناك، والّتي
يتباهى القائِمُون على عمليّة التعليم استبدالها بغيرها مِنَ المناهِج بين آونةٍ
وأُخرى، دون محاولة تجريبها، وامتحان صحّتها، ومعرفة صلاحيتها، قبل تدويلِها
وتوطينها وتوظيفها. وهي "بدلاً مِنْ إيجادِ سياسةٍ ونظامٍ تعليميّ يرتبطُ
بواقعِها وأهدافِها وآمالِها، تجدُها ترضى لنفسِها بالنظريّاتِ التنظيميّة
والمبادئ التربويّة، والمحتويات والأشكال الجاهزة والمعايير المستوردة من دُوَلٍ
أُخرى"([72]).
وتحضرني هنا مقولة رائعة لألبرت أنشتاين؛ وهي: "مِنَ السذاجةِ أن تعملَ الشيءَ
نفسَهُ بالطريقةِ نفسِها مرّةً بعدَ أُخرى، ثمَّ تتوقّع نتائِجَ مُختلِفة"([73]).
وقال أيضاً: "إذا أحسَّ أحدٌ أنّهُ لم يُخطئ أبداً في حياتهِ، فهذا يعني
أنّهُ لَمْ يُجَرِّب أيّ جديدٍ فيها!"([74]). وفي
هذا قال (مايكل نيكولا): "أنا خُلِقْتُ لأُخْطِئَ وأتعلّم.. إنْ كُنْتَ تبحثُ
عن ملاكٍ فتجاهَلْنِي!".
ومن
هنا وجبَ "علينا أنْ نتجاوزَ الاستسلامَ لتقاليدَ منهجيّة قادِمة مِنْ عصُورٍ
عتيقة هي غير عصرنا، مُحمّلة بموضوعاتٍ ومُفرداتٍ لم تعد تصلُح للقرنِ الجديد،
واستبدالِها بمناهِج أكثر مرونةً، تملكُ القُدرةَ على استضافةِ المعارِف الحديثة،
واستيعابها، وتمكّن المتعاملينَ معها على تجاوُز العُزلة، والتغرُّب، والانقطاع،
إلى تنفيذِ حوارٍ فعّال مع تحديّاتِ العصر وهمُومهِ المعرفيّة والثقافيّة،
والإعانة بالتالي على صياغةِ المشرُوع الحضاريّ المرتجى وبلورته([75]).
إنّ هذهِ فُرصةٌ جيِّدة لتحقيقِ تكامُلٍ أكثر مع المعرفةِ المعاصِرة والحياة،
ولجعلِ علُومِنا الّتي نتعلّمُها تتحرّك وتنبضُ وتتنفّس في قلبِ العصر، لا يأسرها
زمنٌ أو مكان أو شخصٌ على مُتابعةِ المتغيرات الحاصلة في عالِم اليوم([76])r
الهوامش:
[1]- العبودية المختارة، إتيان دو لا
بويسي، تر: صالح الأشمر، ط(1)، دار الساقي، بيروت – لبنان، 2016م: 54.
[2]- كيف يتم خداع الجماهير – أشهر
عشر طرق يستخدمها الإعلام للتأثير في العقول، موقع ساسة بوست، https://www.sasapost.com/10ways-media/.
http://tajdeed.org/wehda/%D9%83%D9%8A%D9%81.
مركز الحرب الناعمة للدراسات.
[7]- في مقابلة للصحفي دانيال ميرمي
مع المفكّر الأمريكي نعومي تشومسكي في Le Monde diplomatique، في كيف نؤسّس لإعلام يسهم في معالجة واقع الأمة
المحتقن؟
[8]- في مقابلة للصحفي دانيال ميرمي
مع المفكّر الأمريكي نعومي تشومسكي، في كيف نؤسّس لإعلام يسهم في معالجة واقع
الأمة المحتقن؟
[12]-
قصّة سنغافورة من العالَم الثالث إلى الأوّل، لي كوان يو، نقلهُ إلى العربيّة:
مُعين الإمام، ط(2)، مكتبة العبيكان، 1428هـ - 2007م، ص172.
[13]-
الإسلام في الأسر.. مَنْ سرق الجامع وأين ذهب يوم الجمعة؟، الصّادق النيهوم، ط(3)،
رياض الريس للكتب والنشر، بيروت - لبنان، 1995م، ص95.
[14]- صناعة تعليب الوعي، د.جاب الله
موسى حسن.
http://archive.libya-al-mostakbal.org/MinbarAlkottab/April2005/drJaballah130405.htm.
[18]- عقلي ليس للبيع، د.طارق السويدان
Dr.Tareq AlSuwaidan منشورٌ نشره في صفحته على (Facebook) في يوم الجمعة 23/ 3/ 2018م.
https://www.facebook.com/Dr.TareqAlSuwaidan/?hc_ref.
[19]- ينظر بتصرّف: الحقيقة عند
الغزالي.. الشك أول الطريق الى اليقين، د.عماد الدين الجبوري.
http://www.liberaldemocraticpartyofiraq.com/serendipity/index.php?/archives.
[20]- ميزان العمل، للإمام أبي حامد
الغزالي (ت505هـ)، حقّقه وقدّم له: الدكتور سليمان دنيا، ط(1)، دار المعارف،
القاهرة – مصر، 1964م، ص409.
http://www.flsafa.com/2016/09/chaklghazali.html.
[22]- كيف يتم خداع الجماهير.
[23]- كيف نؤسّس لإعلام يسهم في معالجة
واقع الأمة المحتقن؟ أ.رابحة الزيرة،
http://tajdeed.org/wehda/%D9%83%D9%8A%D9%81.
[24]- ينظر بتصرّف: تعرف على أذكى
الحروب النفسية عبر التاريخ، أميرة الدسوقي
https://www.sasapost.com/the-smartest-psychological-wars/.
[25]- كتاب الاقتباسات السياسية، ستيفن
بتلر ليكوك، في إغواء العقل الباطن – سيكولوجية التأثير العاطفي في الدعاية
والإعلان، روبرت هيث، تر: محمّد عثمان، ط(1)، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة،
القاهرة – مصر، 1916: 9.
[26]- الدعاية والتضليل الإعلامي في
الأفلام الأمريكية – دراسة تحليليّة، مجد نبيل محمود، رسالة ماجستير في الصحافة
والإعلام، كلية الإعلام، جامعة البترا، 2015م: 13.
[28]- الإعلام والإمبريالية النفسية،
د.عبدالوهاب المسيري،
http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2007/5/13/%D8%A7.
[29]- الإعلام والإمبريالية النفسية.
[30]- دراسات معرفية في الحداثة
الغربية، د.عبد الوهاب المسيري، ط(1)، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة – مصر،
1427هـ - 2006م. وتزييف الوعي.. كيف تعيد السلطة تشكيل قيم وقناعات الشعوب؟ سامح
عودة،
http://midan.aljazeera.net/intellect/sociology/2018/1/31
الجزيرة
[31]- دراسات معرفية في الحداثة
الغربية، وتزييف الوعي.. كيف تعيد السلطة تشكيل قيم وقناعات الشعوب؟
[32]- الإعلام الجديد، العولمة وتحدي "خصخصة"
القيم، محمد مصباح، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، الرباط – المملكة
المغربيّة، 2014م، ص6.
[33]- تزييف الوعي.. كيف تعيد السلطة
تشكيل قيم وقناعات الشعوب؟
[34]- الإعلام الجديد، العولمة وتحدي "خصخصة"
القيم: 6.
[35]- الإعلام الجديد، العولمة وتحدي
خصخصة القيم: 7، وتزييف الوعي.. كيف تعيد السلطة تشكيل قيم وقناعات الشعوب؟
[36]- هندسة الجمهور: كيف تغير وسائل
الإعلام الأفكار والتصرفات؟ أحمد فهمي، مركز البيان للبحوث والدراسات، ط(1)،
الرياض – السعودية، 1436هـ - 2015م.
[37]- كيف نؤسّس لإعلام يسهم في معالجة
واقع الأمة المحتقن؟
[39]- الإعلام والإمبريالية النفسية،
د.عبدالوهاب المسيري،
http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2007/5/13/%D8%A7.
[40]- تزييف الوعي.. كيف تعيد السلطة
تشكيل قيم وقناعات الشعوب؟
[41]- كيف نؤسّس لإعلام يسهم في معالجة
واقع الأمة المحتقن؟
[42]- ينظر: استراتيجيات الخطاب -
مقاربة لغوية تداولية، عبدالهادي بن ظافر الشهري، ط(1)، دار الكتاب الجديد
المتحدة، بيروت – لبنان، 2004م: 446.
[43]- البلاغة والأسلوبية نحو نموذج
سيميائي لتحليل النص، هنريش بليث، ترجمة وتقديم وتعليق: محمّد العمري، ط(1)، الدار
البيضاء – المغرب، 1989، ص64.
[44]- الأفعال المؤثرة في ضوء نظرية
أفعال الكلام، إسراء زيدان خلف، ط(1)، الابتكار للنشر والتوزيع، عمان - الأردن،
2018م: 143.
[45]- منهاج البلغاء وسراج الأدباء،
لأبي الحسن حازم القرطاجني (ت684هـ)، تقديم وتحقيق: محمّد الحبيب ابن الخوجة،
ط(3)، دار الغرب الإسلامي، بيروت – لبنان، 1986م: 20.
[46]- الإقناع والتأثير - دراسة
تأصيليّة دعويّة، د.إبراهيم بن صالح الحميدان، مجلة جامعة الإمام، العدد (49)،
محرم، 1426هـ، (بحث): 6.
[48]- جِدّو كريشنامورتي Jiddu Krishnamurti(1895 – 1986م) كاتب ومُتحدِّث عن القضايا الفلسفية والروحية؛ هندي
من ولاية (أندرا برديش). تضمّنت مادته الثورة النفسية، وطبيعة العقل، والتأمّل،
والعلاقات البشرية، وإحداث التغيير الإيجابي في المجتمع. ومن أقواله: "كُنْ
بعيداً بحيث لا يكون بمُستطاعهم أن يجِدُوك، أن يُمْسِكُوا بك ليُشَكِّلُوك،
ليُقَوْلِبُوك. كُنْ بعيداً كالجبالِ كالهواءِ غير الملوث". وقال: "مِنَ
الجميل أن تكون وَحْدَك، أن تكون وَحْدَكَ لا يعني أن تكون وحيداً، بَلْ يعني أنَّ
عقلَكَ لايتأثر ولا يتلّوث بالمجتمع".
[51]- يوهان فولفغانغ فون غوته (1749 –
1832م) هو أحد أشهر أدباء ألمانيا المتميزين، والذي ترك إرثاً أدبياً وثقافياً
ضخماً للمكتبة الألمانية والعالمية، وكان له بالغ الأثر في الحياة الشعرية
والأدبية والفلسفية، وما زال التاريخ الأدبي يتذكّر أعماله الأدبيّة المتميّزة.
[58]- فن القراءة، ألبرتو مانغويل، تر:
جولان حاجي، ط(1)، دار الساقي، بيروت – لبنان، 2016م، 213- 214.
[59]- مجتمع النخبة، د.بُرهان غليون،
ط(1)، معهد الإنماء العربيّ، بيروت - لبنان، 1986م، ص241.
[60]- نيكولا تيسلا (1856 - 1943)
مخترع وفيزيائي ومهندس كهربائي - ميكانيكي أمريكي من أصل صربي.
[63]- الشاكلة الثقافية.. مساهمة في إعادة البناء، عمر عبيد حسنة،
ط(1)، المكتب الإسلامي، بيروت – لبنان، 1414هـ - 1993م، ص26.
[64]- ينظر بتصرّف: مجتمع النخبة: 250.
[65]- دراسات وشؤون جامعية، خالد محمّد
خالد، ط(1)، منشورات دار "روشنبير" للطبع والنشر، العراق - السليمانية،
1998م، ص7.
[66]- فقه الديمقراطية، د.عادل مصطفى،
ط(1)، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة – مصر، 2012م، ص10.
[67]- ينظر بتوسّع: قصّة سنغافورة من
العالَم الثالث إلى الأوّل، لي كوان يو، نقلهُ إلى العربيّة: مُعين الإمام، ط(2)،
مكتبة العبيكان، 1428هـ - 2007م، ص217.
[69]- جويل باركر (Joel Parker) سياسي أمريكي ينتمي إلى الحزب
الديمقراطي، شغل منصب رئيس برلمان ولاية نيوجرسي من عام 1847 إلى عام 1851. كما
شغل باركر منصب حاكم ولاية نيوجرسي مرّتين المرة الأولى من عام 1863 إلى عام 1866
والمرة الثانية من عام 1872 إلى عام 1875. كما شغل منصب قاض للمحكمة العليا لولاية
نيوجرسي ما بين عامي 1880 إلى وفاته في 2 كانون الثاني - يناير من عام 1888م.
[70]- معنى المعنى.. دراسة لأثر اللغة في الفكر ولعلم الرمزيّة، أوغدن
ورتشاردز، تر: د.كيان أحمد حازم يحيى، ط(1)، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت –
لبنان، 2015م، ص100.
[71]- عالم صوفي.. تاريخ الفلسفة، (رواية)، جوستاين غاردر، النصّ
العربي بقلم: حياة الحويك عطية، ط(2)، دار المنى، ستوكهولم - السويد، 1996م، ص42.
[74]-If someone feels that they had never made a
mistake in their life, then it means they had. never tried a new thing in their
life
[75]- ازدواجيّة التعليم الجامعيّ: مرئيّات للخروج من الأزمة: 25.
[76]- م.ن: 27.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق