شيروان الشميراني
والمقصود بالوسطية السياسية، هو تجنّب
السياسات المستسلمة للواقع، وكذلك تلك التي تفجّر الواقع وتجعله واقعاً مهدّماً.. بمعنى
العمل المضني المتواصل من أجل تحقيق المقاصد المحققة للمصلحة العامة، التي تحفظ للإنسان
دينه.
هذا يكون :
بين هؤلاء وهؤلاء، يكون الموقف الوسطي
المعتدل، الذي لا يسكت على ظلم، ولا يضيّع حقاّ، و لا يدمّر أرضاً.
والأصل في هذه الرؤية، هو العديد
من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ومن أبرزها، قول الله – سبحانه-: {لا يحب الله
الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم}، بمعنى أن الله تعالى قد حرّم على العباد الجهر
بالقول السيء؛ من الشتيمة والغيبة والنميمة. لكن هذه الأنواع من القول، تكون حلالاً
للمظلوم، لمن آلمه ظلم الحاكم، أو ظلم غيره، داخل الحكومة وخارجها، وله أن يتخذ من
الوسائل المشروعة ما يضمن له إعادة حقّه إليه.
هذا الوجه للوسطية الإسلامية، يتطلب
إعادة النظر الجاد - من الناحية الفقهية - بما تم الاصطلاح عليه في التاريخ الفقهي
الإسلامي بـ(حكم المتغلّب)، الذي حوّل الدين والمسجد إلى كنيسة متحالفة مع الحاكم،
تبرّر له ظلمه واستبداده واضطهاده للناس المخالفين له في الفكر والسياسة.
الفكر الإسلامي الحديث تجاوز هذه
المعضلة الفقهية، لكن المدارس التي أشرنا إليها في الأسطر السابقة ما زالت تتمسك بها،
وتبثّها كالسّم داخل المجتمعات المسلمة..
ثانياً: ومن معاني الوسطية السياسية،
العمل من أجل تحقيق القيم السياسية التي حدّدها الدين كجزء من مهمات الإنسان المسلم،
مع البحث عن كل وسيلة لا تخالف في نتائجها المقاصد العليا للإسلام. بمعنى أن قيم (الحرية
والعدالة والأخوة والمساواة والبناء والتعمير والسلام العام)، وغيرها، هي التي يجب
على المرء العمل لتحقيقها، وهي قيم إسلامية ثابتة، ومن دون النظر إلى الوسيلة التي
يتم توظيفها من أجل تجسيدها. بمعنى أن الوسائل التي أنتجها العقل البشـري، والمعارف
البشـرية، حتى تلك التي أنتجها غير المسلمين، هي وسائل يمكن تبنّيها والاستفادة
منها.. إن عدم الاستجابة لمنتجات العقل البشـري التاريخي، من حيث الوسائل، وعدم الرضوخ
لمنتجات العقل المعاصر يخالف المقاصد العليا للإسلام. إذ الأصل الثبات في القيم الأساسية،
والتغيّر والتنّوع والتحديث في الوسائل والمسالك.
وهنا تخالف الوسطية السياسية الإسلامية، مناهج الفكر الغربي
التي تأتي بقيم مرفوضة في ممارسة السياسة، مثل البحث عن المصلحة على أشلاء الناس، وكذلك
المدارس الفكرية التاريخية التقليدية الدينية، التي ترفض الوسائل الحديثة في النضال
..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق