يقول الله عز وجل: [وَالْبَلَدُ
الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ
إِلاَّ نَكِداً كَذَلِكَ نُصَـرّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ] سورةالأعراف،
الآية 58. [وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ]، الطيّبون الذين يعيشون في
بلدٍ، فيتطيَّب البَلَدُ بِطِيبهم، ويصبح طيباً، والإنسان الطيّب حيثما تَواجَد،
تطيَّب الناس من طيبه، فإن كان في بيت متواضع، ترك الناس قصورهم كي يزوروه، لأنهم
يستشعرون بالراحة والسَكينة والنقاء، فيتطيّبون بالتقرّب إليه، والحديث معه.
فالإنسان الطيّب هو خير طبيب نفسـي لأولئك الذين فَتَكَت بهم أوبئة الحياة
المادّية. فالطيّب هو في الوقت عينه طبيب للنفس، يكون قد طَبَب نفسه أولاً، فأصبح
طيباً، ثم إن بعض الناس يشعرون بالراحة والتنفيس عن الكَرب، والتفريج عن الهَم،
وهم ينظرون إليه، أو يُجالسونه، أو يتحدّثون إليه.. فتبيّن لك الآية بأن هؤلاء قد
خَصّهم الله تعالى برزق طَيَب مُبارَك، وهذا الرزق المُبارَك، ليس بوسع أحد
- كائناً مَن كان - أن يمسكه عنهم.
- كائناً مَن كان - أن يمسكه عنهم.
وجاءت كلمة [الطَّيِّبُ]
شاملة كل ما هو طيِّب، فإن كنتَ كريماً، أكرمك الله بأكثر مِمّا أكرمتَ به، وإن
كنتَ عفوّاً، عفا الله عنك بأكثر مِمَا عفوتَ به.
[وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ
يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ].
هكذا جاء الحسم الإلهي في هذه المسألة قولاً فصلاً واحداً، وهو عهد من الله
للإنسان. [وَ] في الجانب الآخر: [الَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ
نَكِداً].
النَكَد هو المنزوع
البَرَكة، الذي يفتقد إلى مسك الطيب، لا يستمتع الإنسان به. ولا يقتصر النَكَد في
الطعام، فقد يكون هذا الشخص الخبيث في بلد طيب، أو يُدعى إلى وليمة لتناول الطعام
في بيت شخص طيب، لبعض عوامل القرابة، أو الجوار، أو ما شابه، فالعَطَب سيكون في
معدته، التي لا يشاء الله تعالى لها أن تهضم طعاماً طيباً بيسر، أخرَجَه للطيبين،
ثم إنه لايتلذّذ بتناول الطعام، بل يلتهمه كما تلتهم الدواب العلف، فإذن عاقبة ذاك
الطعام لن تكون محمودة بالنسبة للشخص الخبيث الذي تناوله، بل ينكّد عليه يومه، حيث
تتعسّر معدته بهضمه، فيبقى يعاني اضطرابات سوء الهضم، حتى تخرج آثار ذاك الطعام
الطيب من بَدَنه الخبيث. ونقيض ذلك، فإن الطيّب يسوق الله رزقه الطيّب المُبارَك
حتى لو حلّ النَكَدُ على البلد كله، فيُستثنى الطيّبون من ذلك، فهو عهد الله في
قول حاسم واحد: [وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ]..
فلا شيء يمكن له أن يحول بين إيصال هذا الرزق الطيّب إلى ذاك الشخص الطيّب، حتى لو
قذفت به الظروف إلى خيمة في بقعة أرض مهجورة، في حين إن ذاك الخبيث حتى لو كان في
قصر، وكل ألوان الطعام والشـراب متاحة له، فإنها تكون [نَكِداً] عليه، فلا
يستطيع أن يتناول قطعة حَلوى، لأن نسبة السكر المرتفعة في دمه لا تسمح له بذلك.
ولا يستطيع أن يستمتع بتناول الأطعمة الدسمة، لأن نسبة الشحوم الثلاثية والدهون لا
تسمح له بذلك. ولا يستطيع أن ينعم بالمكيّفات، سواء في حرّ الصيف، أو برد الشتاء،
لأن التهاب قصبات المجاري التنفسية لا يسمح له بذلك. ولا يستطيع أن يستمتع بنوم
عميق، لأن دورته الدموية المضطربة تفرض عليه أن ينهض ويمشي بضع خطوات، وإذا تجاوز
تمدّده في الفراش أربع ساعات، فإن ذلك يجعله في خطر وهو نائم. وهو منصوح من ضمن
نصائح الأطباء بأن يتجنّب الضحك بطلاقة، لأن الانفعالات، السلبية أو الإيجابية، قد
تؤدّي إلى ما لا يُحمَد عُقباه بسبب بعض الاضطرابات في جملته العصبية. وإلى ما
شابه بما ينكّد على هذا الخبيث كل مقوّمات حياته، رغم كل ما تبدر عليه من مظاهر
رَغَد العَيش.
[كَذَلِكَ نُصَـرِّفُ
الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ]. فأمام هذه
الحقيقة، يزداد الشاكرون شكراً لله، ويتقدّمون في مراتب الطيب، ويتجنّبون مواضع
الخبث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق