محمد واني
بين حين وآخر نسمع ونشاهد أحداثاً عابرة - هنا وهناك - تصل
إلى حد السخونة، ثم سرعان ما تخبو وتتلاشى وتعود الأمور إلى مسارها الطبيعي. فرغم حدة
التوتر العسكري القائم بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية، فإن
العلاقات بينهما ظلت تتأرجح بين الشد والجذب، ولم تصل إلى حد المواجهة المباشرة. وكذلك
الأمر بالنسبة لأحداث ميانمار، وعمليات التطهير العرقي الخطيرة التي تمارسها السلطات
البوذية ضد شعب روهينغيا المسلم، فإنها لم تنل النصيب الكافي من الاهتمام الغربي، ووسائل
إعلامه، التي كان حضورها متواضعاً ومخجلاً للغاية، ولم تحرك فيه نوازعه الإنسانية التي
يتباهى بها دائماً أمام العالم، ولم يدفعه حرصه المزعوم على مبادئ العدل والديمقراطية
وحقوق الإنسان إلى تحريك سفنه وأساطيله العسكرية لتأديب أقطاب المجرمين، وتقديمهم إلى
المحاكمة، كما حدث مع صدام حسين - مثلاً - ..
ورغم هذه
الأحداث المتقطعة، فإن العالم يعيش في سلام وأمان، ويمارس حياته بصورة طبيعية، سوى
منطقة الشرق الأوسط، وعلى وجه التحديد المناطق العربية، فإنها على فوهة بركان
مشتعل دائماً، لم تهدأ للحظة منذ أن تحررت من ربقة الدولة العثمانية، وشكلت دولها
المستقلة وفق تقسيمات سايكس بيكو الإستعمارية، إذ ظلت - وما زالت - تحت إشراف
ومراقبة الدول الغربية، لم تغفل عنها، وفرضت وصايتها عليها بصورة أو بأخرى، وإذا
اقتضت مصالحها فإنها تتدخل مباشرة، كما حدث في حربي الخليج الأولى والثانية.
لكن السؤال: ماذا تريد الدول الغربية من المنطقة، ولماذا
تسلط تركيزها عليها، وتجعلها في حالة توتر دائم؟ هل لأنها تعوم على بحر من النفط والغاز؟
أم لأن فيها دولة حليفة ومهمة مثل إسرائيل؟ أم لأنها منطقة استراتيجية، تعتبر مفترقاً
بين قارات ثلاث؟ أم ربما للأسباب الثلاثة؟
ولكي تسيطر عليها، وتخضع شعوبها، اعتمدت استراتيجية (الفوضى
الخلاقة) التي تقضـي بإنهاك المنطقة، وضرب بعضها ببعض، سواء عرقياً أو مذهبياً، والإطاحة
بأنظمتها، وإشاعة فتن عارمة تجعل الحليم حيراناً! وهي لا ترضى بأقل من فوضى تدخل كل
بيت، وترفض وتطيح بأي مشروع سياسي لا يتوافق مع استراتيجيتها الجهنمية.. فهي رفضت الإسلام
السياسي المعتدل، وأطاحت به، ورفضت الإسلام الراديكالي، بل ورفضت حتى الأحزاب العلمانية
الكوردية (الحليفة)، وأطاحت بها بمجرد اختلافها معها، كما حدث في استفتاء الإقليم،
وكما يحدث اليوم في عفرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق