كثيراً
ما تكون نظرتنا لدول ما قبل التكنولوجيا سطحية. نصفهم بأنهم كانوا في أغلبهم دولاً
قائمة على الاستبداد، من دون أن نمنح لأنفسنا وقتاً للتفكير والتحليل.
فنحن
اليوم في عالم إذا (فبرك) فيه أمريكي صورة، أراد فيها تشويه سمعة الجيش التركي،
وصل الخبر في دقائق إلى أردوغان ومستشاريه، وانطلقت الماكنة الإعلامية الجبارة
لتفعل فعلها في إبطال السحر.
وبعيداً
عن تكنولوجيا السلاح والاستخبارات والرصد وما إلى ذلك، لنتناول في الأقل نوعين من
التقنيات لم تكن موجودة في الدول الإسلامية الخمس: الراشدية والأموية والأندلسية
والعباسية والعثمانية (إلا في آخر عهدها)، وهي الاتصالات والمواصلات. لا خدمات برق،
ولا نت، ولا طائرة تطير بجناحيها.
1-
إعداد وتأهيل قيادي من
الطراز الأول، لتتعزز الثقة بالقيادة المدنية والعسكرية.
2- إعداد إيماني وفكري وتربوي للدعاة والعلماء
المحيطين بالقادة والمتواجدين مع الجيش والشعب، كي يتم الحفاظ على روح الرسالة الإسلامية.
3-
لا
مركزية عالية، وتفويض في كثير من القرارات، لأن التواصل بعيد زمنياً. بمعنى أن
الولايات أقرب إلى الفيدراليات.
4- تبني سياسة القوة الصلبة أكثر من الناعمة،
لضبط شؤون الدولة. فالقوة الناعمة بحاجة إلى حراك دؤوب متواصل، قد يتعذر على مثل
تلك الدول في ذلك الوقت.
5- الحفاظ على هيبة السلطان والاستمرار في تعزيز
ثقة الشعوب بالأسرة الحاكمة، لأنها لا تملك إعلاماً مرئياً ولا مسموعاً، بل منابر
وأحاديث مجالس.
6- إبقاء الحكم الوراثي، رغم أنه لم يكن
مثالياً، لكنه أهون من الفوضى. فقد يكون في ولاية من الولايات، أو مِصْر من
الأمصار، من هو أحق برئاسة الدولة أو الخلافة، لكن كيف يسوّق في ظروف تستحيل فيها
الانتخابات؟ فلا اتصالات ولا مواصلات سريعة.
7- أغلب التغيرات كانت قائمة على فلسفة
الانقلابات الدموية، التي يصعب أن تجد بديلاً سلمياً لها. فمع الوقت تنشأ بين
المعارضة وبين السلطة فجوات كبيرة تقرب أحياناً من حوار الطرشان. المعارضة ترى
الفساد يزداد، والأسرة الحاكمة ترى التمسك بالسلطة ديناً، وهو في كثير من الأحيان
هوى وتمسك بالكرسي. أيضاً لأنه لم يكن سهلاً استخدام السلطة الرابعة لممارسة الضغط
وإيجاد رأي عام معارض وقادر على إجبار الحاكم بأن يتخلى عن السلطة.
8- الرسل من وإلى السلطان يتأخرون في إيصال
الرسائل، ما قد تفقد قيمتها المعلوماتية أو يتعرض الرسول إلى الخطف أو يتم تزوير
الرسالة. وكلها وقائع حصلت. اليوم ربما يكتب (ترامب) تغريدته وهو مستلقٍ على
فراشه، ما تلبث أن تبلغ الآفاق في غضون ثانية واحدة.
وهناك
استنباطات أخرى وأخرى…
ولا
أزعم أن كل ما ذكرت دقيقٌ مئة بالمئة، فلست مؤرخاً ولا أستاذاً في العلوم
السياسية. إنما هي أفكار، أهم ما فيها أن لا نخوض في رفع أو خفض فلان وعلان من
الحكام أو القادة الذين عاشوا قبل عصر التكنولوجيا، من دون أن نفكر ملياً ونضع
أنفسنا بدلاً عنهم.
بصراحة،
نحن نتعجل كثيراً في اتهام الحكام السابقين بآنهم كانوا قتلة، أو جَزَّارين، من
دون أن نسأل: لماذا قتلوا؟ وهل كان ثمة بديل لإخماد فتنة ما؟
هذا
ليس دفاعاً وإنما إعادة قراءة للتاريخ، بوضع اعتبار الفرق في الإمكانات والموارد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق