01‏/05‏/2015

الإرساليات التبشيرية في بلاد فارس في القرن الخامس عشر (البعثة الكبوشية في أصفهان)

ترجمة: عمر جاسم محمد
الكبوشيون في بلاد فارس:
بدأت بعثة الكبوشيين في بلاد فارس مع وصول راهبين فرنسيين: الأب غابرييل الباريسي (1595-1641) والأب باسيفيك البروفنسي (1588-1684) إلى أصفهان في أواخر 1628، واستمرت بعثتهم لأكثر من مئة عام، وأرسل الراهبان من قبل رؤسائهم في (المجمع المقدس لنشر الإيمان)  في روما.
كان الرهبان الكبوشيون جماعة زاهدة انبثقت عن الرهبنة الفرنسيسكانية، وبدأت بالنمو في فرنسا بشكل كبير، وجذبت تعاليمها ومثلها الدينية والخيرية العديد من الشبان النبلاء والبرجوازيين.
ومنذ العام 1626 وصعوداً، أنشأت الكبوشية الفرنسية عدداً من البعثات التبشيرية في الشرق الأدنى، وذلك لهدفين: العمل من أجل اتحاد الكنائس الشرقية (بما في ذلك الأرمن) مع الكنيسة الكاثوليكية
الرومانية، وتحويل المسلمين إلى المسيحية، من خلال التعامل بالوعظ والتبشير، عبر إظهار احترام القيم الإسلامية، وتقديم النماذج المثالية في المسيحية.
ويعيش الرهبان الكبوشيون علـى التبرعات والصدقات التي تعطى لهم. ثم بعد 1640 عملت البعثات الفرنسية الكبوشية في بلاد فارس، بدعم من المجمع الكنسي لتورين، وأشرف عليها (الحارس) الذي أقام في حلب.
وبعد وقت قصير لوصول الراهبين، استقبل الشاه عباس الأول الأب باسيفيك في قزوين، وأمره بالعودة إلى فرنسا من أجل التفاوض بخصوص مشاريع متنوعة، بما في ذلك شراء مدافع ومطبعة، ثم أهملت هذه المشاريع في عهد الشاه صفي، ما جعل الأب غابرييل وحيداً في فارس، فواجه معارضة شديدة من جهات عديدة، لكنه وبفضل مساعي حميدة قدمها رئيس شركة الهند الشرقية، نجح في عام 1634 بالحصول على منزل بالقرب من قلعة طبرق في أصفهان، ليكون هذا البيت مقراً للبعثة الكبوشية حتى العام 1656، ويقع هذا البيت في حي يقطنه المسيحيون، ولكن قرار الحكومة الصفوية بالحجر على المسيحيين في حي جلفا الجديد في أصفهان أضعف عمل البعثة.
إلا أن الكبوشيين استطاعوا جذب الكثير من المعترفين الأرمن، وكانت لهم محاولات متكررة، خاصة الأب غابرييل شينون في عام 1653، ومرة أخرى في 1664-1665، للحصول على مواقع في حي جلفا، لكن محاولاتهم فشلت.
تعاقب عدد من الرؤساء لرهبنة الكبوشيين في أصفهان الأب غابرييل الباريسي (استدعي لاحقاً إلى باريس عام 1636)، ثم أعقبه الأب بليز النانتي، وحل محله في 1640 فالنتين انجيه (توفي في أصفهان في 1665)، وجاء بعده امبرواز البريولي، وشغل المنصب حتى عام 1643، ثم رحل إلى الهند، وجاء بعده رافاييل لومان (دومانز)، الذي كان مسؤولاً عن دار الرهبنة الكبوشية منذ عام 1649 حتى وفاته 1696، وبقي لوقت طويل بعده زميله: سيتفان الأورليانزي.
ثم بعد الوقت الطويل الذي قضته الرئاسة براهب واحد، تعاقب من جديد عدد آخر من الرؤساء: جان بابتيست المونتموريو من 1696 إلى 1714، ثم دنيس البورغيسي، حتى وفاته في عام 1738، فأعقبه كليمنت الأوليروني، وكان آخر كبوشي أقام في أصفهان، إذ اضطروا بعدها للتخلي عن الدير، وتوفي في البصرة عام 1747.
إلا أن أحد زملاء الأب كليمنت، الأب أركانغ، بقي في عهدة نادر شاه، وترجم الأناجيل بأمر منه، وأكملها في عام 1740. (Archives Relations Extérieures, Corr. Pol. Perse, 7, fol. 171).
كان أول من تعلم الفارسية والتركية من الآباء الكبوشيين في أصفهان هما الأب غابرييل الباريسي وبليز نانت، إذ تمكنا من تعلم ما يكفيهم، بعد تجميعهم قواميس وكتابة نصوص صغيرة لعرضها على المسلمين الذين يحموهم. وتمتعوا بموقع متميز وعلاقات وثيقة مع بعض أعضاء البلاط الصفوي، وأصبحوا على معرفة جيدة جداً بالثقافة الفارسية، ومؤسسات وشؤون الدولة. وكان الأب رفائيل دومانز، الذي وصل أصفهان عام 1647، قد استفاد من الاحترام الذي يكنه له رواده، بعد أن وضع معرفته بالرياضيات والفلك في خدمتهم، وعمل مترجماً للبلاط لصالح رجال الأعمال الأوربيين حتى وفاته، وتمتع بميزات في السنوات الأخيرة من حكم الشاه عباس الثاني، وأثارت إعجاب رحالة مثل تافرنييه، وبطرس بيدك، مؤلف كتاب (ضهل ستون/ الأربعون عموداً)، وهي مروياته مكتوبة باللاتينية عن بلاد فارس والتشيع (النمسا، 1676).
وقد أخذ عنه نصوصاً وروايات رحالة كثيرون، مثل تافرنييه وثيوفنت وشاردان وفراير وكامفير، وجل نصوصهم عن بلاد فارس هي من تدوين رفاييل دومانز، والمعلومات الشفهية التي نقلها إليهم بشكل مباشر.
أُعتُبِرَ الكبوشيون ممثلين للنظام السياسي الحاكم في فرنسا، أكثر من كونهم مبشرين دينيين، وكانوا موالين لحكومات بلاد فارس، واستقبل ولاؤهم هذا بالتقدير والاحترام، ما جعل جهودهم التبشيرية غير  مثمرة، إلا ما ندر.
ترك الكبوشيون في أغسطس 1628 أحد زملائهم (الأب جوست بوفيه) في بغداد، التي كانت آنذاك تحت الحكم الصفوي، فأسس ديراً هناك، وأرسى بعثة ناجحة فيها، ثم اتخذ الدير لاحقاً مقراً للكرمليين. وتأسس المقر الثاني للكبوشيين في تبريز عام 1656، من قبل مبشرين ذوي قدرات عالية: الأب غابرييل شينون(ت 1668)، وكان يتمتع بحماية (بكلبركي)، وزير المقاطعة ميرزا إبراهيم، ولاحقاً بحماية ابن ميرزا إبراهيم: الوزير ميرزا محمد طاهر، الذي درس مع الأب شينون.
قام شينون برحلات عديدة من تبريز، زار أورمية، حيث كان لفيكتور البلوي مهمة قصيرة موجهة للنساطرة (1662-63)، وزار جورجيا عام 1666، بدعوة من أميرها فاختنج الخامس، وأخيراً إلى إيرفان، حيث بنيت كنيسة كاثوليكية من قبل الكبوشيين في عام 1667، تحت حماية خان الأرمن: أزاريا، إلا أنها هدمت بعد بضعة أشهر، بناء على طلب من رجال الدين الأرمن.
بقي الدير في تبريز ناشطاً لما يقرب المائة عام، وكان الرهابنة القائمين عليه قد أرسلوا من مقاطعة تورين الفرنسية: الأب جوزيف ماري بورجيه حتى عام 1676، وجورج فاندوم حتى 1697، عندما أصبح (حارس - راعي)، ثم الأب بيير ايسودون، الذي رجم حتى الموت في الموصل عام 1722، والأب برنارد بورجيه، الذي قتل في الغزو العثماني لتبريز عام 1725، والأب كليمن اوليرون حتى عام 1738، وداميان ليون، الذي رافق نادر شاه في عدة حملات قبل وفاته عام 1746، وترك بيليرن ميراندول مسؤولاً في غيابه.
ثم تم التخلي عن الدير، ليس فقط بسبب سوء الأمن في بلاد فارس، ولكن أيضاً لعدم وجود رهبان، بسبب انخفاض معدلات توظيف الرهبان، بسبب الأوامر الدينية التي صدرت في فرنسا.
لم يكن في مخطط الكبوشيين إنشاء دير في شيراز، ولا القيام برحلات في القرى الأرمنية والجورجية المسيحية، في إقليم بيريا (فريدن)، قرب أصفهان، ولم تحقق مهمة الأب أمبرواز عام 1649 هناك أي هدف من أهدافهم التي كانوا يرجون تحقيقها.
أما في جورجيا، فقد تمكن الكبوشييون الإيطاليون من الإبقاء على بعثة تبشيرية، بدأت عام 1661 في تيفليس وغوري وجانجا وغيرها، وساهمت بشكل كبير في الإحياء الديني والوطني في المجتمع الجورجي، الذي بدأ أوائل القرن الثامن عشر، ثم طردوا من جورجيا عام 1845.
قابلت أنشطة الكبوشيين في إيران في العهد الصفوي اهتماما قليلاً، وخاصة بالنسبة لعلاقاتهم مع البلاط وبعض الوجهاء من المسيحيين الأرمن والجورجيين، لكنها لم تكن غير مهمة تماماً، فإلى جانب الدور الديني الذي لعبته، كانوا قد لعبوا دوراً  كوسطاء ثقافيين.
-------
*المقال منشور في:
Encyclopedia Iranica, Capuchin in Persia in 15 century
-------
المصادر:
- Anecdotes orientales,” ms. Bibliothèque Nationale, Paris, Français 25055-25064.
- A. Bugnini, La chiesa in Iran, Rome, 1981, pp. 160-164. A Chronicle of the Carmelites in Persia and the Papal Mission of the XVIIth and XVIIIth Centuries, 2 vols., London, 1939.
- Clemente da Terzorie, Le missioni dei Minori Cappuccini. Sunto storico, 10 vols., Rome, 1913-38.
- Gabriel de Chinon, Relations nouvelles du Levant. . ., Lyon, 1671.
- Hilaire de Barenton, La France catholique en Orient, Paris, 1902.
-Histoire des missions de la province de Touraine jusqu’en 1675,” ms. Bibl. - Orleans no. 916. Ignazio da Seggiane, L’opera dei Cappuccini per l’unione dei Cristiani nel Vicino Oriente durante il secolo XVII, Rome, 1962 (large bibliography(.
-Lexicon Capuccinum. Promptuarium historico-bibliographicum . . ., 1525-1950, Rome, 1951.
-Pacifique de Provins, Le voyage de Perse et brève relation du voyage des îles d’Amérique, ed. by Godefroy de Paris and Hilaire de Wingene, Assisi, 1939.
-Raphaël du Mans, Estat de la Perseen 1660, ed. Ch. Schefer, Paris, 1890.
-F. Richard, “Trois conférences de controverse islamo-chrétienne en Géorgie vers 1665-1666,” Bedi Kartlisa 40, 1982, pp. 253-59.
-Idem, “Catholicisme et Islam chiite au "Grand Siècle". Autour de quelques documents concernant les missions catholiques en Perse au XVIIème siècle,” Euntes Docete. Commentaria Urbaniana 33/3, 1980, pp. 229-403.
-Idem, “Un témoignage sur les débuts de l’imprimerie à Nor Jula,” REA, N.S. 14, 1980, pp. 483-84.
-Idem, Raphaël du Mans, missionnaire à Ispahan et informateur des voyageurs de Perse (forthcoming(.
- Rocco da Cesinale, Storia delle missioni dei Cappuccini, 3 vols., Paris and Rome, 1867-73.
-P. Tamarati, L’église géorgienne des origines jusqu’à nos jours . . ., Rome, 1910.
-G. de Vaumas, L’éveil missionnaire de la France au XVIIème siècle, Paris, 1959 (with a bibliography.
-See also various documents in the archives of Propaganda Fide (Rome), Missions Etrangères (Paris), etc.

- Francis Richard,Vol. IV, Fasc. 7, pp. 786-788.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق