بقلم: انور خليل اسماعيل
يعتبر تدهور وضعف الدولة الاسلامية الواسعة والمترامية الاطراف التي جاءت بعد الخلافة الاسلامية الراشدة، وانقسامها إلى احزاب وطوائف؛ ودخولها في صراعات سياسية فيما بينها، وظهور التقدم الصناعي المفاجئ في اوربا المتخلفة انذاك ونهوضها على حساب ضعف الدولة الاسلامية، هذه العوامل وغيرها كانت بداية في تخلخل الموازين والمعادلات الدولية والإقليمية المترابطة والمتأثرة ببعضها البعض؛ ومنها الموازين والعلاقات الاجتماعية التي ازدادت بينها الهوة بسبب تلك الصراعات السياسية او ما سميت احيانا بصراع الطبقات والتي استغلتها الدول الكبرى للسيطرة السياسية العسكرية على الشعوب لنهب ثرواتها الاقتصادية.
ومن اثار الحرب العالمية الثانية تقسيم البلدان بين الدول الغالبة في الحرب، وبذلك اعطت وجها جديدا للخارطة العالمية وخاصة في مناطق نفوذ الدول الاسلامية، فقربت دولاً وهمشت اخرى حسب ما تقتضيه المصالح الاستعمارية، وكان لهذا التقسيم ضحايا ومتضررين من الطراز الاول كالشعب الكردي في كردستان الذي قسم إلى أجزاء موزعة بين العراق وتركيا وايران وسوريا ودول اخرى مثل روسيا، فالاستعمار لم يأخذ بنظر الاعتبار حقوق الامم والشعوب وجذورها التاريخية العميقة وحضارتها التي بنت صرحها منذ آلاف السنين ولا الحقوق والقضايا الانسانية التي طالما ادعو بها في محافل هيئة الامم المتحدة، ربما كانت نظرتهم الى هذه الشعوب نظرة دونية بسبب غلبتهم في الحرب، وذلك في زمن ضعف العالم الاسلامي وعدم تواجده في الساحة الدولية مثلما ينبغي.
تأثير التقسيم لم يتوقف على حالة معينة في الإضرار الخطير بالشعوب المقسمة اراضيها وحسب؛ بل ساعد على تغيير ثوابت الشعوب، وخاصة الاخلاقية، من المبادئ السماوية النبيلة ومن تراثها الاصيل ومن الاعراف والافكار السامية التي انطبعت عليها تلك الشعوب وبنت صرحها الحضاري نتيجة تضحيات جسام منذ آلاف السنين؛ وكانت هذه الحالة حالة خطيرة للغاية بل اخطر من الحرب والاحتلال نفسه وهي التي أثرت على الاسرة البشرية عامة والإسلامية خاصة والتي ترتبط بعضها بالبعض الاخر في جميع متطلبات معيشتها رغم اختلاف الوانها ولغاتها واديانها، ما اعاق طريقة تفكيرها الفطري الانساني النبيل وشغلها بأمور جانبية وأثارت بينها الفتن النائمة من النعرات الطائفية والقومية والقبلية التي سميت بسياسة (فرق تسد)، وبذلك دفعت الاسرة البشرية في العالم الاسلامي خاصة ثمنا باهضا لازالت مرارتها عالقة في ذاكرة تلك الشعوب والاجيال المتعاقبة.
هذا الاختلال في الموازين الدولية والإقليمية كان لابد له أن يؤدي إلى اختلال في الموازنات الاجتماعية والثقافية التي تبعد كل البعد عن ثقافتها الاصيلة التي تراكمت من نتاج افكارها المستمدة من المبادئ السماوية والأعراف الاجتماعية والحضارات المتعاقبة؛ وكانت هذه بمثابة سموم نفثت في ارض خضراء لمنعها من الانبات ما ادى ذلك الى الحيرة والشلل الفكري الثقافي بين هذه المجتمعات.
وقد ادى هذا بدوره الى ظهور نظريات وأفكار وأحزاب كثيرة في البلد الواحد بحجة تخليص البشرية من هذه الاوضاع السائدة وتحت ادعاءات عديدة منها الوطنية او القومية او العلمانية بجناحيها اليمينية واليسارية وتارة اخرى اسلامية علمانية او اصولية، مما حدى بالانسانية إلى ان تعيش في حيرة وفي بحر متلاطم الامواج لا تكاد ترسو على بر الامان مع فقدان الثقة تماما بأي حكومة تحمل هذه الادعاءات والأطروحات المستمدة من تلك النظريات والافكار والقوانين الوضعية لتثبيت موضع قدمها من اجل تثبيت السلطة والسيطرة ومن ثم اهمال الناس التي عانت كثيرا من الفقر والجهل والدمار بسبب مثل هذه الاساليب والسياسات الخادعة.
وهذه الاسباب والمعاناة الطويلة لابناء الشعوب وخاصة الاسلامية جعلتها تختار طريقا اخر مهما كلفها ذلك من التضحيات؛ فقيام هذه الثورات والانتفاضات الكبيرة التي اطاحت بحكومات دكتاتورية وفي طريقها الى اطاحة اخرين هي ليس من اجل الخبز والحرية وحسب! بل من اجل الثأر من الطغاة وضد الدجل والنفاق الدولي والمحلي.
هذه الثورات كشفت اللثام عن الوجوه وعن حقيقة الحكومات والشخصيات التي طالما تبجحت كثيرا بادعاءات مخادعة لذر الرماد في العيون.
ومن هذه الدول ايران الاسلامية التي ارادت ان تصدر الثورة الاسلامية الى البلدان الاخرى وحاربت النظام البعثي العفلقي اليميني في العراق واصرت على الاطاحة به، بينما هي نفسها تدافع عن النظام البعثي العفلقي اليساري في سوريا!!. والحكومة الديمقراطية العراقية التي جاءت على نقيض النظام البعثي الدكتاتوري البغيض في العراق، والتي كان يفترض بها رفع المعاناة الطويلة عن الشعب العراقي، هي الاخرى وقفت في جبهة ايران مسايرة لسياستها في المنطقة!.
ومن اعضاء هذه الجبهة المعادية للثورات الشعبية (روسيا) التي حملت دهرا طويلا شعارات الاشتراكية على الطريقة الماركسية اللينينية، وهي اول دولة في العالم اعترفت باسرائيل وهجرت اليها اليهود لبناء كيان سياسي لهم في فلسطين.
ان تحالف العلمانية والاسلامية في المنطقة التي تقوم فيها الثورات الاسلامية، وخاصة ضد الشعب السوري المسلم، هو بحد ذاته مثار للشك والريبة! فهذه الثورات سوف لا تقف عند حدود الدول العربية الاسلامية كما تبدو بل تتعداها الى دول غير اسلامية ايضا لان الامم والشعوب اصبحت تعيش مللا من الحكومات وسياسياتها التي لا تخدم الا نفسها والتي جاءت لكي تعتاش على ثروات الشعوب!.
لقد تفجرت هذه الثورات وهي تردد شعارات اسلامية بحماسة، لذا لا يمكن الجزم الا بان هذا الربيع ربيع اسلامي وليس عربياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق