بقلم - د. سنان احمد
تطورت الأزمة السورية من أزمة حكم داخلي إلى حرب داخلية عنيفة ذات أبعاد عديدة.
ومما لا جدال فيه بأن لكل حرب أسباباً سياسية وتاريخية واقتصادية وفي بعض الأحيان طائفية، فما هي حقيقة الطائفية في سورية من وجهة نظر تاريخية بحتة؟
فالحزب الحاكم هو حزب البعث العربي الإشتراكي وهو حزب علماني قومي اشتراكي، والعائلة الحاكمة "نصيرية" المذهب خارجة بالكامل عن المذهب الشيعي الأثني عشري السائد في إيران وجنوب العراق، ومع ذلك فالسيد خامنئي وهو نائب الإمام المعصوم في جمهورية ولاية الفقيه يصرح بأن كل ثورات الربيع العربي كانت إسلامية عدا ثورة سورية التي تحولت إلى حرب طاحنة!.
ولكي لا نذهب بعيداً في متاهات لا نهاية لها، فسنقف على إسلامية الطبقة الحاكمة السورية التي تلاقي كل الدعم من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المدافع الأول عن الإسلام الحقيقي الذي يتخيلونه.
فمسألة الحزب محسومة في فكر القارئ والذي لا يوجد ما يشير إلى إسلاميته المزعومة وهو شقيق الجناح الذي سقط في العراق وحاربته الجمهورية الإسلامية وحلفاؤها بضراوة لأنه غير إسلامي؛ ناهيك عن وقوفه حجرة عثرة أمام الجحافل المعدة لتحرير القدس ونشر الإسلام الصحيح!!، وكانوا لا يترددون بوصفه بحزب البعث الكافر والى حد الآن!، أما عقيدة العائلة الحاكمة والتابعة لأقلية ضئيلة من الشعب السوري، وهي الطائفة النصيرية والتي أطلق عليها الفرنسيون لقب الطائفة العلوية عام 1920م تمويهاً وتضليلاً، ثم أسسوا دولة صغيرة لهم على طول الساحل السوري قبل الاستقلال، فلنا وقفة قصيرة على مدى انتمائها للتشيع.
ففي كتاب فرق الشيعة لأبي محمد الحسن بن موسى النوبختي، وهو من أهم الكتب عن تاريخ الفرق الشيعية بقلم أحد كبار علمائها يرد في ص115 منه ما يلي: "وقد شذت فرقة من القائلين بإمامة علي بن محمد (علي الهادي – الإمام العاشر) في حياته فقالت بنبوة رجل يقال له (محمد بن نصير النميري) وكان يدعي أنه نبي بعثه الإمام علي بن محمد الهادي (أبو الحسن العسكري)، وكان يقول بالتناسخ والغلو بأبي الحسن ويقول فيه بالربوبية، ويقول بالإباحة بالمحارم ويحلل نكاح الرجال بعضهم بعضاً!! ويزعم أن ذلك من التواضع والتذلل وانه إحدى الشهوات والطيبات وأن الله عز وجل لم يحرم شيئاً من ذلك!.
ويقول شيخ الطائفة الطوسي في كتابه (الغيبة)، وهو العمود الفقري للمذهب الإثني عشري عن النميري هذا، بأنه ادعى النيابة عن الإمام الغائب (صاحب الزمان) وادعى البابية وفضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والجهل، وذهب الطبرسي في كتابه "الإحتجاج" نفس الإتجاه وكذلك الكشي في كتابه "معرفة أخبار الرجال" وهو من أمهات كتب الإثني عشرية، وينقل (جواد علي) في كتابه "المهدي المنتظر عند الشيعة الإثني عشرية" عن الطوسي كذلك بأنهم (أي الشيعة الإثني عشرية) طردوا النميري من طائفتهم وأتباعه هم النصيرية وحافظوا على أنفسهم حتى يومنا هذا في الجبال المسماة باسمهم بمنطقة اللاذقية وفي طرابلس وحماة.
وأما محمد صادق بحر العلوم الذي نشر كتاب النوبختي المشار إليه آنفاً وعلق عليه، وكان الكتاب قد صدر في النجف عام 1963م، فإنه يضع في نهايته وتحت عنوان تنبيه "... وعلى تقدير وجود شيء من هذه الفرق فالإمامية لا تشك في بطلانها وكفر كثير منها كالنصيرية وغيرهم ...!"، ويذهب محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه (الشيعة والتشيع) بنفس الإتجاه.
هذا هو موقف أئمة الإمامية قديماً وحديثاً من الطائفية النصيرية والتي يصر البعض على إلصاقها بالشيعة والتشيع ليضع الأقلية الشيعية في العالم الإسلامي في مأزق هي في غنىً عنه، ولن يخدمها على المدى الطويل كما لن يخدم المصالح الإستراتيجية لإيران مطلقاً، ولا يدل إلا على قصر نظر القيادة الإيرانية المصابة بمرض العقدة الإمبراطورية الذي ورثته من الشاه السابق بعد أن أبدلت التاج بالعمامة، ولله في خلقه شؤون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق