د. سعد سعيد الديوه جي
نشأت أبان الحرب الصليبية (1095 – 1291م) تنظيمات تحمل السيف بيد، والكتاب المقدس باليد الأخرى، تسمى بمنظمات "الفرسان الرهبان" برغم أن المسيح (عليه السلام) قد قال في الإنجيل الذي يحملونه: "لا تقاوموا الشر بمثله، بل من لطمك على خدك الأيمن، فأدر له الخد الآخر، ومن أراد محاكمتك ليأخذ ثوبك، فاترك له رداءك أيضاً، 39-40، 5متى".
وعليه أن يكون الراهب المتبتل فارساً مقاتلاً يريق دماء الناس، فهذا ما لم يقل به المسيح وما لا نفهمه أبداً!.
ومن أشهر هذه التنظيمات "فرسان القديس يوحنا" رغم أن يوحنا والذي نسميه نحن المسلمين بالنبي يحيى (عليه السلام) لم يحمل سيفاً ولا قاتل أحدا، وقد دفع حياته ثمناً لمبادئه، عندما أمر الملك هيردوس بقطع رأسه إرضاءً لغانية، فقد كانت رسالته المعاصرة للمسيح (عليه السلام) هي رسالة العفة والشرف والحياء وعبادة الله الواحد الأحد.
وأما التنظيم الأشهر فهو "فرسان المعبد" والذي تأسس عام 1118م بعد دخول الصليبيين للقدس، وكانوا يسمون أنفسهم "جنود المسيح الفقراء" وكانوا يضعون صليباً من القماش فوق دروعهم بلون مختلف عن لون ملابسهم.
بمرور الزمن تحول جنود المسيح الفقراء إلى مؤسسات ترعاها البابوية وتجمع المال من أي مصدر أتى، وتفرع منهم مؤسسات تجارية ومصرفية وكانوا يجندون الفقراء الأوروبيين للقتل والذبح والنهب تحت شعار الصليب وتحرير قبر المسيح من المحمديين الوثنيين الكفرة، ولم يتورعوا حتى عن خيانة أبناء جلدتهم في سبيل المال، فخلال الحملة الصليبية الثانية وأثناء حصار مدينة دمشق عام 1148م، تسلم فرسان المعبد رشوة مالية ضخمة من حاكم دمشق نظير رفع الحصار عن مدينته مما ساهم في فشل الحملة!.
ويذهب بعض المؤرخين ومنهم "وليم الصوري" أن احد أسباب انتصار صلاح الدين الأيوبي في حطين (تموز 1187م)، هي التطاحن بين هؤلاء الرهبان – الفرسان وملك بيت المقدس، وعندها قال صلاح الدين قولته المشهورة "جاءنا ما نريد"!.
لقد خاض هؤلاء الرهبان بدماء المسلمين عندما سقطت القدس بأيديهم مع الحملة الصليبية الأولى عام (493هـ / 1099م)، فبدأوا بتغيير معالم المسجد الأقصى وبنوا حائطاً أمام المحراب وحولوا قسماً آخر منه إلى كنيسة وصاروا يطلقون عليه "معبد سليمان"، والقسم الآخر مربطاً لخيلهم، ومن هنا نشأت الفكرة القائلة بأن موضع المسجد الأقصى هو موضع "هيكل سليمان"، وها هم أحفادهم من الإنجيليين الجدد يجددون الفكرة مرة أخرى.
وعندما استرد المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس عام (583هـ / 1187م)، أراد بعض أصحابه هدم كنيسة القيامة رداً على همجية هؤلاء فأبى، ولكنه أزال الرخام الذي وضعه الصليبيون على صخرة المعراج لتضييع معالمها وأزال ما عليها من تماثيل وصلبان وغسلها بالماء وطيبها بماء الورد، ثم أمر بإعادة مسجد قبة الصخرة، ولم يمس كنائسهم وأديرتهم بسوء!.
وكما يقول" د. عادل زيتون" فقد جاء إنحطاط الفرسان الرهبان ليكشف التناقض بين أيديولوجيتهم وممارساتهم وليفضح زيف المشروع الصليبي الذي يقومون بخدمته، وهو ما يطبق الآن بوجه آخر هو "الصهيونية".
ففي عام 1229م وعند زيارة الإمبراطور الألماني فريديريك الثاني لبيت المقدس اتصلوا سراً بالملك الكامل الأيوبي وأبلغوه بأن الإمبراطور وحيد ولا يحمل سلاحاً وحرضوه على إغتياله ولكنه رفض الغدر بالإمبراطور، ومن خيانة هؤلاء الرهبان، وكتب إليه يخبره بتآمرهم الدنيء ضده.
هذه هي أخلاق من جاءوا ليحرروا قبر المسيح من "المحمديين الكفرة "وتلك هي أخلاقنا، وتلك هي أخلاقهم التي لم يتخلوا عنها بعد عشرة قرون عندما دخل الجنرال غورو قائد القوات الفرنسية التي احتلت الشام عام 1920م، فذهب إلى قبر صلاح الدين ورفسه برجله قائلاً: ها قد عدنا يا صلاح الدين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق