بقلم - عمر طه ياسين
كل منا مر بسن المراهقة والتي هي المرحلة الواصلة بين سن الطفولة وسن الشباب؛ لكن ما مررنا به منذ حوالي نصف قرن من الزمان يختلف اختلافا كبيرا عما يواجهه أبناؤنا ممن هم في هذه المرحلة الحرجة اليوم نظرا للتغيير الحاصل في المجتمعات من نواحي الفكر والثقافات ونزوع المجتمعات الى الاتجاه المادي البراجماتي الذي غير من أخلاقيات البشر عموما.
وهنا يأتي الواجب الإنساني على الآباء والأمهات بصورة خاصة والمجتمع بصورة عامة بمتابعة ومراقبة الصبيان ممن هم في سن المراهقة لتوجيههم للسير في المسار السليم الذي يجب أن يسلكه من هم داخل هذه الفئة الاجتماعية المهمة، فبعد أن كان التعامل في السنين الماضية مع هذه الفئة سلسا ويسيرا نوعا ما؛ أصبح اليوم في غاية الصعوبة بسبب المشاكل المتكررة جراء الأخطاء التي يرتكبها المراهقون اليوم، وهذا غير آت من فراغ أو ضعف في البنية الأسرية فحسب وإنما بسبب ضعف البنية الاجتماعية والتي عبدت الطرق لاحتضان المشكلات بأنواعها وأشكالها المختلفة، وكذلك بسبب ضعف سلطة العقل الجمعي والذي كان يحكم الأفراد والمجتمعات على السواء برادع إنساني وأخلاقي بحت، وكانت تقوم هذه السلطة ولعقود وقرون مضت ببناء المجتمعات وتحث أفرادها على الالتزام بالأخلاق الوضعية التي ينبغي أن يسيروا عليها بانتظام ولكن اليوم ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين وفي زمن التطور العلمي الذي يسعى الى بناء حقيقي للمجتمعات في كافة النواحي أصبحت سلطة العقل الجمعي مغيبة لأسباب كثيرة منها ترك العادات والتقاليد المبنية على الاحترام والصدق والأمانة والسعي لنشر الخير ونبذ الشرور والتعاون والتكافل الاجتماعي لأفراد المجتمع الواحد وإيثار الغير على الذات.
ولا يخفى على أحد ان المحرك والمشجع لهذه الأسباب هو (انفتاح) المجتمعات على أفكار تحمل في طياتها أساليب وطرق همجية وغريبة عن واقعها الحقيقي منها قنوات البث الفضائي غير المدروسة تربويا وعلميا بما يخدم الشعوب والمجتمعات واتجاهاتها وتتنافى مع المبادئ الأخلاقية العليا للمجتمعات المحافظة والتي بقيت محافظة عليها لعدة قرون مضت، ناهيك عن إشاعة الغرب لأفكار في محاولة لتضليل الشعوب وإيهامها بأنها أفكار تحمل مبادئ سامية تضم في طياتها مضامين صحيحة كأفكار الحرية والديمقراطية، ولكن في الحقيقة كانت غير ذلك فقد سعت وما زالت تسعى الى إشاعة الباطل والفساد لمجتمعاتنا بدلا من ترسيخ هذه الأفكار بمضامينها الحقيقية في عقول الشباب، كما قامت بالترويج لتفكيك الأسرة والمجتمع معا والانحراف بهما عن مسارهما الصحيح والذي يلتزم بالأخلاق الحميدة واحترام الآخر واحترام حقوق الإنسان وحقه في اختيار العمل والسلوك السليم وحق البناء والتطور والرقي وصولا الى العيش في مجتمع قوي ومتوازن.
وجاءت الأساليب متنوعة لهدم المجتمعات ابتداء بعدم احترام مقدرات الشعوب وحقها في الحياة وحقها في التمسك بثقافاتها وموروثها المادي والحضاري؛ مرورا بإشاعة ونشر الأفلام الإباحية وأفلام العنف والتي تبث يوميا وصولا لإضعافها وتمزيقها سعيا لنهب ثرواتها!.
وغالبا ما تمر مرحلة المراهقة لدى الصبيان في مرحلة الدراسة الثانوية وبسبب تردي الواقع التربوي والتدريسي (العلمي) في الكثير من المؤسسات التعليمية والمبني على عدم التواصل الحقيقي للكادر التدريسي مع أولياء أمور الطلبة من ناحية، وعدم اطلاع العاملين في هذه المؤسسات العلمية على آخر التطورات في السلوك الاجتماعي والنفساني من ناحية ثانية، وقلة الثقافة العلمية من ناحية ثالثة، لم ينجح هؤلاء التدريسيون في تقويم وتصحيح المسار التربوي والعلمي لطلبتهم.
كل هذه العوامل وغيرها من العوامل مثل أصدقاء السوء والذين نشأوا في أجواء غير صحيحة وغير صالحة للعيش كبشر أسوياء وبسبب سطوة أفكار الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة والتي تنشر تفاصيلها في الفضائيات نرى أبناءنا الطلبة يعزون عدم التزامهم بالمبادئ السامية وعدم مواظبتهم على دراستهم وكل ما يمكن أن يبني شخصيتهم المستقبلية الى ما جاء من التأثير الواقع عليهم جراء الأفكار الفاسدة التي يتلقونها من المجتمع؛ والى ما يأتيهم عبر الفضائيات وبعض مواقع شبكة الانترنت المفسدة ووسائل الاتصال الإعلامية العديدة والتي عملت بشكل أو بآخر على تشويش تفكير الصبية وتشويه الصورة الحقيقية للحياة الصحيحة، سيما وان وسائل الاتصال هذه هي حقيقة موجهة لمحاربة الصبية والشباب وصدهم عن المسار الصحيح السبب الذي أدى بهم الى التفكير غير المدروس والى التغير الواضح في تعاملهم الاجتماعي بشكل سلبي وانحرافهم عن الطريق الصحيح وهم بهذا كانوا بشكل أو بآخر سببا في تشويه العقل الجمعي وحرفه باتجاه غير سليم .
وليس هذا فحسب فالحروب والنزاعات التي مرت بها المجتمعات البشرية وخصوصا المعاصرة منها كان لها السبب الواضح والكبير على المراهقين وما وصلوا اليه من حالة لا يحسدون عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق