مراسل الحوار - الموصل
عصر الأحد، الأول من نيسان 2012، بعد أن عاش أكثر من ثمانين عاما، كان جلّها في خدمة الإسلام والمسلمين، ترجّل فارس الدعوة عن فرسه وفارق الحياة الأستاذ والمربي والأب الحاني والداعية والعالم العامل والشيخ الفاضل (غانم سعدالله حمودات) بعد صراع مرير مع المرض الذي أبعده عن محبيه ـ بالجسد لا بالروح ـ حيث كان ينشغل بالسؤال عن أخبارهم عن طريق المقربين.
فارقنا ولكن ما تزال الأسماع ملأى بكلماته التي أنارت للآلاف من أبناء الموصل دروب الحياة في ظل العقيدة الإسلامية السمحاء، وفي ظل الفهم الوسطي للإسلام، وعلى أعناق الرجال المحبين حمل جسده الطاهر ليشيعه في تظاهرة مهيبة آلاف المحبين من المقربين والشخصيات البارزة في المحافظة من الذين تتلمذوا على يديه ليودعوا فيه الأب البار والمربي الفاضل والداعية المخلص، بهذه المناسبة تنشر مجلة الحوار سيرة الراحل الكبير في هذه السطور..
النشأة والدراسة:
ولد في الموصل ونشأ في بيت محافظ، كان والده -رحمه الله- غيورا على الدين قارئا للقرآن؛ ختم القرآن الكريم قبل دخوله المدرسة.
• من مواليد الموصل1926 و سنة 1930 -حسب التسجيل الرسمي-
• أنهى الدراسة الابتدائية سنة 1944
• أنهى الدراسة المتوسطة سنة 1947
• أنهى الدراسة الإعدادية الفرع الأدبي سنة 1949 وكان ترتيبه الأول على لواء الموصل آنذاك وعلى المنطقة الشمالية..وكان متفوقا في جميع المراحل.
•في عام 1949 باشر دراسته الجامعية في دار المعلمين العالية – كلية التربية وأنهاها بامتياز مع مرتبة الشرف في عام 1953.
باشر التدريس في المتوسطة ثم الإعدادية. وقد كان عمله عمل داعية.تتلمذ عليه مجموعة كثر من الأساتذة ابرزهم الأستاذ قاسم الجراح، وعبد المنعم الغلامي، ومحمد حامد الطائي، وعبد العزيز البسام.
أما ابرز تلاميذه فهم الأساتذة سعد الله توفيق، وأبي الديوجي، اللذان تعاقبا على رئاسة جامعة الموصل ولا يزال أبي في رئاسة جامعة الموصل، والفريق هشام صباح الفخري، والشيخ غازي عجيل الياور، وكثير ممن تسنموا مناصب عالية من الدولة عسكريين ومدنيين.
نشأ في مدينة الموصل وهي مدينة محافظة ومتمسكة بالإسلام على جهل، وقد كانت الجوامع تخلو من الشباب قبل أن تظهر فيها دعوة الإخوان، وكانت الموصل تعاني من (جهل الأبناء، وعجز العلماء) كسائر المدن الإسلامية. وكان اكثر الناس فقراء على تعفف والأغنياء قليلون، والمرأة قارّة في البيت، والقيم السائدة مزيج من القيم الإسلامية والبدوية. وكان للتعليم العلماني اثر سيئ في الشباب؛ وكان اغلب الأطباء والصيادلة من غير المسلمين، ولما انتشر التعليم بدأت كفة المسلمين ترجح.
أتسم (رحمه الله) بحيوية الشباب وحكمة الشيوخ وتجرد المخلص والمضحي فتراه ينتقل هنا وهناك وهو جاوز الخامسة والسبعين لا يمل ولا يكل ينصح هذا ويرشد هذا ويدعو ذاك وهو بهذا العمر يقدم خلاصة تجاربه الدعوية والحركية، انشأ جائزة ومسابقة للقرآن الكريم باسمه.
بسّام المحيا يقبل عليك بوجهه ولا يلتفت حتى تكمل حديثك، يتفطر قلبه أسى على حال الإسلام فيبكيه دمعا ويبحث عن العمل علاجا، ليس سهلا أن نقدمه بكلمات لا تملك أن تقف بين يدي حضرته وهو صاحب القلم السيال، قال له الأستاذ محمد أحمد الراشد حفظه الله (أنت أستاذي) فأجابه الأستاذ غانم حمودات : أما أنت فأستاذ الأساتذة.
مسيرته الدعوية:
كانت أول صلة له بجماعة الإخوان المسلمين صيف عام 1947حيث التقى بالأستاذ محمد محمود الصواف (رحمه الله) في عام 1950، أصبح مسؤولاً عن طلبة الإخوان المسلمين في كليات بغداد في نفس السنة، وأصبح عضو اللجنة المركزية لجماعة الإخوان المسلمين في العراق وكان على صلة كبيرة بعلامة العراق الأستاذ أمجد الزهاو، كما كان له علاقة حميمة مع الأستاذ محمد محمود الصواف (مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في العراق) حتى أنه قبل وفاته بساعات (أي الصواف) ذكر الأستاذ غانم حمودات وطلب من ابنته إيصال كتابه في تفسير الفاتحة وجزء عم له وكتب إهداء بخطه يدعو للداعية غانم حمودات بالقبول واصفاً إياه بأنه داعية بلد الإيمان والإسلام الموصل الحدباء.
قال عنه الشيخ إبراهيم النعمة: أنه كان يعد التدريس كالصلاة فحينما سأله أحد طلابه؛ يا أستاذ هل أحلت على التقاعد؟ قال الأستاذ: سبحان الله هل الصلاة فيها تقاعد، فقال الطالب: أنا أعلم أن الصلاة ليس فيها تقاعد وأنت أستاذي درستني سنة كذا.. فقال الأستاذ: لقد قلت لك هذا لأبين لك أن أجر تدريس التربية الإسلامية لا يقل عن أجر الصلاة.
ويضيف الشيخ إبراهيم النعمة: إن هناك أمورا اعرفها عن الأستاذ غانم حمودات لو عرفها الناس لما ترددوا في القول بأنه على رأس الدعاة إلى الله ليس في العراق وحده، بل في العالم الإسلامي.
اعتقل لأول مرة عام 1959 إثر فشل ثورة الشواف في الموصل واستمر اعتقاله مدة 87 يوماً تنقل فيها ما بين سجون الموصل وبغداد حيث كان في هذه المدة ممثلاً لجماعة الإخوان المسلمين بالتجمع الديني القومي، أعيد إلى التدريس بعد أحد عشر شهرا من التوقيف، وبقي في التدريس خمسين سنة وبضعة اشهر.
أحيل على التقاعد لبلوغه السن القانونية سنة 1993 إلا أنه استمر بإلقاء المحاضرات إلى أواخر عام 2004 حيث توقف مكرهاً عن التدريس وهو الذي كان يدعو الله أن يميته في المسجد بين طلابه.
على لسانه:
ذكر الأستاذ غانم حمودات في رسالته المؤرخة 28 ذو العقدة 1426 الموافق لليوم 30 من كانون الأول 2005 والموجهة إلى زميلنا العزيز الأستاذ احمد سامي الجلبي(رحمه الله) رئيس تحرير جريدة فتى العراق الغراء :
واني لأذكر من باب التحديث بالنعمة، حرصي الشديد على التدريس، وألا تفوتني حصة واحدة، واني في ذلك الحرص والنشاط أتفوق على زملاء كرام في المدرسة منهم من سبق أن درستهم على رغم تقدم السن، واعتلال الصحة، ومما وفقني الله عز وجل إليه إقامة ليلة القدر الشريفة في الإعدادية الشرقية أكثر من عشر سنين، وقد جاوز عدد التلاميذ المقيمين لليلة الشريفة (170) تلميذا في بعض السنين، ثم شرعنا نقيمها بعد ذلك في الجوامع، كما وفق الله سبحانه وتعالى، فكان لنا السبق في بناء مسجد في المدرسة، وما أسعدني وقد كنت أرى التلاميذ يتسابقون إلى الوضوء في البرد القارص، ويؤدون الصلاة فرادى وجماعات في المسجد، وما أسعدني وأنا أرى الوفاء من أبنائي التلاميذ واسمع ذكرهم لما كنت اهديهم إليه وأحثهم عليه.
ويقول عن الفترة الطويلة التي مارس فيها التدريس "لازلت أحن إلى التدريس، ولولا عوائق من اعتلال الصحة وسواه لبقيت في هذه المهنة العظيمة ".
وفي لقاء أجري معه (رحمه الله) في إذاعة دار السلام/الموصل؛ في نيسان من العام 2006، حيث حظر إلى الاستوديو قبل الموعد بحدود الساعة وقال عن ذلك "الوقت ثروة الداعية، فالحفاظ على الوقت دليل حرص الداعية على الدعوة" وقال عن مسيرة التربية والتدريس "التربية والتعليم والدعوة إلى الله هي مهنة الأنبياء والمرسلين، ولا يمكن للداعية التقاعد عن هذه المهنة".
شهادات في حسن سيرته التربوية:
في الوثائق الرسمية وملفات المديرية العامة للتربية في محافظة نينوى، وخاصة الملفات الشخصية للأستاذ غانم حمودات، الكثير من تقارير مدراء التربية، والمفتشين (المشرفين) التربويين عن نشاط وجهود هذا الرائد الكبير من رواد حركة التربية والتعليم في العراق..وهذه بعض منها:
في 25 من نيسان 1954 كتب الأستاذ عوني بكر صدقي مدير معارف لواء الموصل تقريرا عن الأستاذ غانم حمودات والذي لم يكن عمره آنذاك يتجاوز أل(24) سنة ، أي انه كان في بداية ممارسته للتعليم جاء فيه "شاب مثالي، ذو خلق متين وسلوك حسن، شخصية جيدة، ومعلوماته غزيرة، يحسن مهنة التعليم ويعتز بها، قابلياته ممتازة، كثير المطالعة والتتبع، يعمل واجباته بكل حرص وإخلاص، ويساهم كثيرا في مجال النشاط اللاصفي في كثير من اللجان، محبوب جدا، ومحترم من الجميع، ممتزج مع إدارة المدرسة وهيئتها التدريسية بالرغم من حداثته في سلك التعليم، إلا انه اثبت جدارته وكفاءته لهذا العمل بنجاح".
وفي 18 نيسان 1957كتب مدير متوسطة الحدباء وكالة الأستاذ سالم داؤد الراوي عن غانم حمودات يقول بأنه "حسن السيرة، كريم الخلق، هادئ الطبع، في شخصيته قوى متكاملة، فهو رجل علم وعمل بالمعنى الصحيح .. صاحب دين وعقيدة".
وكتب عنه مدير معارف لواء الموصل الأستاذ نعمان بكر التكريتي يوم 26 من مايس 1958 يقول "ذو شخصية قوية وأخلاق فاضلة، مادته غزيرة، واطلاعه واسع ".
وحصل على العديد من كتب الشكر والتقدير من المديرية العامة لتربية نينوى، وكتب الدكتور عبدالله فتحي الظاهر قصيدة بعنوان إلى سيدي غانم حمودات :
فاح الصَّباح لذكركم أطيابا وَأتى القلوب ففتّحَت أبوابا
ياسيـــداً عَلمــاً مُرَبِّـــــيَ قــــــــــــــادةٍ شيخَ الرجــــال أرومة وَنِصابا
جاوزتَ للعليا ربّى وشِعابا وَعَجَمتَ عُودَ الضَّعف جُزتَ صِعابا
وَسَلكتَ لا تلوي السبيلَ مُعزَّزا وَمَضيتَ مَهَّدتَ العُلا أسبابا
وَهَوَيتَ للأيام تسحقُ صلبَها وتجوزُ ما استعصى حَشى وإهابا
ماهان مِنكَ العزمُ يوماً إنما عَلتِ العزيمةُ هِمَّة ورغابا
قد طالما خبَّ المَطِيُّ بكيدهم فغدَت مكائدهم هَوى وخرابا
يا غانمَ الخير العميم تحية
ما خابَ وصفكَ غانماً ما خابا
كم ذا وهبتَ الغانمات تكرُّماً وَقدَحتَ - تهدي المُدلِجينَ - شهابا
فاهنأ فهذا قِطفُ غرسِكَ سيدي نهجوا سبيلكَ سادة أنجابا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق