16‏/08‏/2012

السياسة الدولية وغياب الانسانية!

زيرفان سليمان البرواري 
السياسة الدولية في الوقت الراهن تمر بمنعطف خطير تعبر عن حجم المادية في العلاقات الدولية، ومدى تطبيق الفكرة الواقعية في العلاقة بين الشعوب، فالانسانية وما يتعلق بها من القواعد والمعاهدات والمواثيق الدولية ما هي الا شعارات تستخدمها الدول العظمى في تمرير سياسات معينة في اوقات محددة 
لتحقيق المصلحة الضيقة لتلك الدول. ان الانسان الذي يعد المحور الاساسي في الرسالات السماوية، والغاية الاسمى في الانظمة القانونية والسياسية، بات يتعرض لاشد انواع الانتهاكات تحت مسميات دينية وسياسية واجتماعية لا تغني عن الحق شيئا، إذ أن الامم المتحدة على سبيل المثال انبثقت من الرغبة العالمية لصنع عالم مستقر خالٍ من الحروب والويلات والانتهاكات التي تعرض لها الانسان في اوربا ابان الحربين العالميتين الاولى والثانية؛ إلا ان هذه المؤسسة العجوزة بدأت تخطو خطوات اختها عصبة الامم في التعاطي مع الازمات الانسانية التي تتعرض لها الشعوب جراء المطامع السياسية والاجندة المادية الضيقة.
سياسة الكيل بمكيالين باتت العنوان العريض للقرن الحادي والعشرين بعدما كانت المعضلة الاساسية لسياسات القرن العشرين، بل وتطورت هذه السياسة بحيث اخذت تسميات اخرى كالحيادية واحترام سيادة الدول المستقلة وما الى ذلك من الشعارات الزائفة والالحان الرديئة التي نسمعها من عظماء العالم من حيث المادية واقزام العالم من حيث الاخلاق والانسانية. 
العالم اليوم يعاني من ابشع الازمات الاخلاقية التي قد تقود البشرية الى كارثة الحرب العالمية الثالثة نتيجة للبطش في السياسات الدولية والطغيان في السياسات العامة للدول المختلفة، انني اريد من خلال هذا المقال الربط بين ما يحدث في بورما من عمليات الجينوسايد المنظم والسكوت العالمي الرسمي وراء المجازر التي يقوم بها البوذيون المجردون من كل القيم والمعتقدات الانسانية.

بورما.. هولكوست المسلمين في القرن الجديد
تقع بورما في شبه الجزيرة الهندية، ويبلغ عدد سكانها حوالي 50مليون نسمة، يشكل المسلمون 20% من عدد سكان هذه الدولة. بعيدا عن التفاصيل التاريخية حول تواجد المسلمين وتاريخ وصول الاسلام الى بورما في زمن الخليفة هارون الرشيد، هنا اريد التركيز على حالة المسلمين والموقف الانساني الذي يعاني منه المدنيون في مقاطعة (اراكان) المسلمة التي تقع في شرق بورما، يعد المسلمون في بورما من الاقليات الاكثر تعرضا للبطش والتمييز العنصري والقتل الجماعي حسب احصائيات الامم المتحدة، بل وتعد بورما الدولة الاخطر على حقوق الاقليات وخاصة المسلمين وذلك بسبب القتل المنظم الذي يتعرض له المسلمون على ايدي جماعة (Almag) البوذية المتطرفة والمدعومة من قبل النظام السياسي الدكتاتوري في بورما. 
لقد تعرض المسلمون في بورما لعمليات مماثلة في عامي 1962 وعام 1991حيث اجبروا على ترك منازلهم جراء الحملات الوحشية التي قامت بها المجموعات البوذية المسلحة ضد المسلمين؛ ومن خلال دراسة الحالة الانسانية في بورما يظهر لنا بأن المدنيين المسلمين يعانون من جرائم منظمة قائمة على أساس؛ الحرمان الاقتصادي، والحرمان من المشاركة السياسية، التفاوت الطبقي وما الى ذلك من الجرائم المنظمة.
ويكمن الدافع الاساسي وراء هذه العمليات محاولة البوذيين التغيير الديموغرافي لصالحهم بعد المخاوف من ازدياد عدد المسلمين في هذا البلد، وهذه هي عقلية الانظمة الاستبدادية والجماعات الارهابية التي تحاول التخلص من الشعوب عن طريق القتل والبطش متناسين بان الظلم يولد العزيمة والإرادة في المقاومة والبقاء، خاصة واذا دخل عامل ديني او ايدولوجي في الصراع بين الجماعات البشرية.
هنا لابد من الوقوف امام السكوت العالمي وراء الجينوسايد الهمجي ضد العزل من الاقليات في بورما، بل والاخطر من ذلك السكوت الاممي الرسمي لمنظمات الامم المتحدة، ومنظمة المؤتمر الاسلامي، والجامعة العربية، وكذلك الموقف المتردد من قبل الولايات المتحدة، والاتحاد الاوربي اللتان تدعيان الانسانية في سياساتهم الخارجية ويتهمون الدول الاخرى بالانتهاكات ضد الانسان، والغريب في الامر أنه قرر البيت الابيض مؤخرا رفع الحظر عن الشركات الامريكية الراغبة في الاستثمار داخل بورما، وكأنها مكافئة للمجرمين على جرائمهم ضد المسلمين!!!.
هذا يؤكد أن السياسة الدولية تعاني من ازمة اخلاقية، وان الانسان بات السلعة الارخص في الموازين الدولية، بل وباتت قضايا الشعوب بمثابة الاوراق الاساسية للعبة السياسية في العالم! ان المنظمومة الاخلاقية تعاني من ازمات محورية خاصة ما يتعلق بالعلاقات الدولية، والملفات الانسانية في كل من سوريا وبورما تعبران عن حجم الكارثة التي وصلت اليها البشرية، فكل تطور تقني مادي في العالم المعولم يقابله تخلف اخلاقي انساني بل والرجوع الى العصور المظلمة من حيث القيم والمبادى الانسانية.
ان ما يحدث في بورما نقيض لاهداف الامم المتحدة، ومنظمة المؤتمر الاسلامي، وكل المعاهدات والمواثيق التي قامت على اساس تحقيق السلام والامن العالمي وحماية حقوق الانسان، ولكن العتب الاساسي يقع على عاتق الدول الاسلامية التي اختارت السكوت على التصرفات التي تقوم بها دولة بورما ونظامها الدكتاتوري الدموي، ولو تعرضت اي اقلية دينية اخرى للجينوسايد في بورما لوجدنا ان العالم قد انقلب! وان الناتو قد تدخل! والفاتيكان استنكر! وطبعا الدول الاسلامية قد قلدت!!!. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق