المشكلة في مصر هي إنها تحكم منذ عقود من قبل جماعات لم تأخذ السلطة بحقها، ولذلك تتحول السلطة في أيديها إلى لعنه ونار تحرقهم قبل غيرهم ولو بعد حين، وللأسف استمر الخطأ ذاته بعد الثورة ليحرق بعض القوى المحسوبة عليها، ولم نعد نعرف متي ينتهي هذا السيناريو المحبط والهدام.
فالمجلس العسكري يحكم مصر منذ الثورة وهو جزء من النظام القديم، لم يشارك في الثورة، ويعاملها كمؤامرة يفكك شبكاتها وفاعليها تباعا؛ وقد أقدم المجلس على خطوات كارثية في حقه وحق مصر والمصريين، بما في ذلك التلكؤ في محاسبة قتلة الثوار، وانتهاك حقوق المصريين، وترك الثوار يقتلون في الميادين أمام أعين العالم، ثم تقييد الجريمة ضد مجهول!.
كما أهدر المجلس عاما ونصف من عمر ثورة مصر واقتصادها المنهك في عملية انتقالية عبثية استخدمها على ما يبدو في إرهاق الثورة والثوار وكل من دعموهم والمصريين معا، بل بالغ العسكر في الاستهانة بمقدرات المصريين وأقدموا على حل أول برلمان انتخبوه بعد الثورة ليعيد الفترة الانتقالية إلى نقطة الصفر.
ولا أعلم لماذا يتصور العسكر أنهم قادرون على حكم البلاد أو توجيه مسارها السياسي، فهم عسكر أولا، عينهم مبارك ثانيا، وينتمون إلى أجيال عمرية أنقضت صلاحيتها السياسية ثالثا، وتربطهم رابعا علاقات مؤسفة مع التيار القديم وقواه السياسية وخطابه وطريقة تفكيره، وكان الأولى بهم رعاية الثورة وتوجيهها بدلا من إجهاضها.
أما قوى النظام القديم المعروفة اصطلاحا بالفلول فكان لديها فرصة كافية للتكفير عن خطاياها وتقديم قدر مناسب من التنازلات للشعب المصري الذي لم يطلب الكثير، ولكن القوى التي صعدت وتربعت على صدور المصريين بلا جهد يذكر أبت آلا أن تستمر في خطاياها ورفضت التنازل ولو عن القليل، وادعى بعضها الثورية حتى حانت الفرصة ليخلعوا رداء الثورية ويرتدوا جلودهم الحقيقية، بل عادت مرة أخرى تدعي حقها في احتلال السلطة دون إعادة الحقوق إلى أصحابها ودون التوبة عن خطاياها السياسية والاقتصادية والثقافية وعلى رأسها تأجيج نار الفتنة الدينية والطائفية بين المصريين.
وبالنسبية للإخوان فكان لديهم فرصة تاريخية ورائعة لقيادة التيار الوطني المصري ولكن المصريين فوجئوا في لحظة ما بسيطرة الإخوان على رئاسة مجلس الشعب، وتأسيسية الدستور، وترشحهم للرئاسة، هذا في الوقت الذي يفتقرون فيه للقوة الإعلامية والخبرة السياسية الكافية والقيادات، لذا زادت معارضة الناس لهم وباتوا أقلية سياسية ينظر إليها بشكوك من جانب نسبة لا يستهان بها من القوى الوطنية المصرية.
أما السلفيون فقد تحولوا بين عشية وضحاها من قوى حرمت العمل السياسي لعقود إلى ثاني أكبر حزب سياسي في مصر رغم افتقارهم لأغلب مقومات القوة السياسية وعلى رأسها الخطاب السياسي الناضج، والخبرات السياسية، ووسائل إعلام قادرة على مخاطبة فئات واسعة من المجتمع، وبهذا تحولت "المشكلة السلفية" إلى عبئ على الإخوان والتيار المتدين والتيار الوسطي والثورة المصرية والمصريين.
بل أصبحت مشاركة السلفيين السياسية عبئ على التيار السلفي نفسه؛ فقد انقسم شبابه بين أحزاب مختلفة وبين قيادات ادعى كل منها أنه على الحق والآخرين لا يرتقون إلى مستواه، وكانت النتيجة أن جزء لا يستهان به من شباب السلفيين فقد ثقته في الجميع.
أما الشباب فعلى الرغم من تضحياتهم في الميادين فقد عجزوا عن التوحد وبالغوا في الاعتماد على ذواتهم الفردية وأرائهم الشخصية واندفاعهم للتظاهر حتى باتت الميادين مصدر قلق ومعزولة عن نسبة لا يستهان بها من المصريين، ونسى الثوار أن يهتموا بتطهير قواهم السياسية من بعض الفلول الذين ادعوا الثورية، ومن بعض الثوار الذين يكنون عداء واضحا للتيار الديني، ونسوا أيضا تقديم بدائل إيجابية سياسية.
فبعد عام ونصف على الثورة مازال الثوار بلا بناء سياسي واضح، ولا نعلم متى سيستعدون لخوض الانتخابات.
الخلاصة أن القوى السياسية في حاجة للتواضع وفهم حدود قدراتها والبحث عن الشراكة مع بعضها، فالعمل السياسي الحقيقي كأي جهد أخر في الحياة يحتاج لتنظيم وموارد وعمل جماعي إذا كنا نريد له النجاح والدوام.
ولكننا للأسف مازلنا نعيش أسرى للاستبداد الذي يعيش فينا ويملئ نفوسنا بالأمراض ويشل قدرتنا على التفكير، فتستمر الأزمة ولا نأخذ السلطة بحقها، ويستمر بحث المصريين عن قيادة واعية تستحق الثقة فيها وتحقق حلم البلاد في التقدم الواعي والمنظم إلى الأمام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق