05‏/05‏/2014

أحداثٌ حَرّكت قَلمي

بقلم: أسماء حلوي
ناشطة إعلامية
 في لحظة شعوري بالبرد، وفي هذه الأيام القاسية، أتجه كالعادة إلى مدفأة بيتنا لأشعلها، لكن فجأة أحسستُ أن شيئاً قد انبعث في داخلي، وبدأ يحدثني بهدوء، ويترجاني، فلا أسمعه. أجلس وأشغل التلفزيون، أشاهد ذلك العالم الذي يعاني، فأسمع ذلك الشيء قد انبعث فيّ ينادي مرة أخرى، لكن هذه المرة اختلف الأمر، ففي البداية كلمني بأسلوب هادئ جداً، إلا أنه في هذه اللحظة استعمل أسلوباً آخر غير الهدوء، بل أمرني وصرخ في وجهي، لأنني لم أحترم أدبه معي! كيف تجرأتُ يا أنا على إشعال مدفأة من أجل نفسي، وأضع رجلاً على رجل وأتابع مأساة العالم،
ولا أحرك ساكناً؟! حينها اكتشفت أني فقدت ذلك الشيء الذي يسمونه (الضمير)، وبكيت خجلاً من نفسي. أيعقل أني أسقطت ضميراً، وأمتّه، وساهمت في معاناة غيري؟! أدركت حينها أن عليّ أن أحارب جلوسي إلى جانب المدفأة، فالحياة حركة هنا وهناك، استفسارات وحقائق من ذاك وذاك، وقائع تكشف لنا معادلة الحياة. من هنا صار ذلك الشيء الذي انبعث بداخلي سبباً صريحاً لتغيير حياتي، ودافعاً جعلني أخجل من إنسانيتي أمام الأطفال المشردين، حيث صارت زهور (سوريا) غطاؤها جليد، كتلك الضمائر المتجمدة. إنهم يصارعون الحياة البائسة على أمل انتظار لمسة حانية من قلوب نفضت ذلك الغبار عنها، وعبّدت طريقاً من الزهور، لتخطو خطوات إلى تلك البراءة التي تبتسم رغم الصعاب. وها هي نسائم (فلسطين) الجريحة تبحث عن من يداويها، وتلك (مصر) أبكي لحالها، ورمز حضارتنا العربية هو (عراقنا) الذي تكالبت الأيادي عليه.. كبرت جراحك يا وطني، ولا تزال أفكارنا الصغيرة بعيدة المنال، لا تجد من يسمعها، ويمسك بيدها، ليخرجها من جوف الخوف إلى حقيقة عادلة يسمعها العالم بأسره.
لقد خلق الله الإنسان ومنحه الحرية، ولم يطلب منه مقابلاً لهذه الحرية، إلا ليكون الإنسان (عبداً له، مؤمناً به، وبآياته الدالة عليه، وإن لم يره). ولهذا فالحرية سمة إنسانية رفيعة عرف حقيقتها البشر، وقدّروا مكانتها الثمينة، فكان عقابهم هو سلب هذه الحرية وسجنها، فهذا أقسى عقاب يمارس ضد أي كائن حي كان، إنساناً أو حيواناً.. وهذا ما نراه في الوقت الراهن من ظلم واستبداد، ففي عالم البشر يتواجد حكام يعشقون المناصب، فيجلسون على تلك الكراسي ويدفئونها من برد الشتاء، ويعتنون بها في كل فصول السنة، ويخشون زوالها أكثر من خشيتهم على حياتهم، وكأن الكراسي باتت تزيد من الأعمار، أو أصبحت ترفع من قيمتهم.. عار على زعماء نائمين، وهم مستيقظون يتلذذون بطعم الحياة على حساب تلك النفوس العفيفة.
من يسمع تلك الصرخات المدوية في العالم الإسلامي؟ سؤال يحمل في طياته آهات، دون وجود إجابات حقيقية.
هل نُخطّئ الشباب حين يفيقون بوعيهم مطالبين بحقوقهم؟ فقد تكلمت تونس الحرية، مع رفيقتها ليبيا، فسوريا الأبية، مع مصر الشرعية، ولا ننسى الثورة اليمنية السلمية، وفلسطين قضية العرب، والعراق الذي دمرته الطائفية. أما بورما، وأفريقيا الوسطى، ففيها حربٌ من أجل إنهاء الإنسانية.. هذه الثورات هي ليست رغبة في التحطيم والتخريب، وإنما هي فكرة واعية من أجل البناء والتغيير، ومن أجل التطور والرقي، وما نراه عبر نوافذ الإعلام شيء عظيم، فهل ساهم هذا الأخير في نقل الخبر بمصداقية؟ أم أنه يسعى إلى تخريب ما بناه أولئك الأبطال في بلدانهم؟ هنا يجب القول: إن حياة البشر على هذه الأرض تحولت إلى مجرد أشخاص يطلون برؤوسهم عبر نوافذ التلفزيونات داخل منازلهم، أو استراحاتهم، أو مكاتبهم، وأماكن تواجدهم، في كل مكان بالعالم، ليشاهدوا ما يُريد لهم الآخرون مشاهدته وفهمه وتعلمه. فبعد أن كان البشر يطلون من نوافذهم الصغيرة القديمة في منازلهم، أصبحوا يطلون عبر نوافذ التلفزيون التي تعرضها لهم دولهم، إنه مجرد صندوق صغير لكن خفاياه كبيرة، فهو يسعى إلى إظهار الحقيقة في حين، لكن تقمعه نوافذ أخرى، بدعوى أنها تحافظ على تجنب الفتن وإخماد نيران الحروب، وتمثل دور المنقذ لحماية شعب، بقتله وتعذيبه وتشريده.. أيّ حماية هذه؟
لو نرى تاريخ أوروبا، لعلمنا أنها نهضت على أيادي شباب عقدوا العزم على أن تحيا بلادهم، وتتّحد، لتصبح قوة لا يهزمها أحد، ففي عام 1848م اندلعت في قارة أوروبا ثورات شعبية هائلة، وأطلق المؤرخون على هذه الثورات اسم ثورات ربيع الشعوب. وقد كانت هذه الثورات تحمل أهدافاً نبيلة، وقامت بها الشعوب الأوروبية، لأنها لم تكن راضية عن الوضع العام في ذلك الوقت، فقد أصابت الدول الأوروبية في تلك الفترة حالة من الجمود السياسي والاجتماعي، بينما مرحلة الثورة الصناعية كانت قد بدأت بالفعل. وقد شملت هذه الثورات خمسين بلداً مختلفاً، دون تنسيق فيما بينها، فقد انتشرت الثورات في هذه البلاد كما ينتشر النار في الهشيم، من (فرنسا) إلى (ألمانيا) إلى (المجر) إلى (الدنمارك) إلى (بولندا)، حتى أن روح هذه الثورات وصلت إلى (البرازيل) في العالم الجديد. ومن رمزيات تلك المرحلة أن العلم الألماني الحالي، وألوانه (الأحمر والأسود والذهبـي)، كان هو علم الثوار الألمان في تلك المرحلة! ولا ننسى أن شباب أمريكا أيضاً ثاروا وتعذبوا، لكنهم في النهاية قادوا.. لا أريد أن أذكر نتائج ومخلفات تلك الثورات، التي لقبت بثورات الربيع الأوروبي، وتلك الثورات الأمريكية، فواقعها الحالي يقدم لكم الإجابة.
وأنتم يا قيادات العرب ابقوا على ما أنتم عليه، وصدقوا تلك الشعارات التي تتحدث بها دول العالم المتقدم من (أوروبا وأمريكا).. كلمات منمقة ومزخرفة بعبارات السلام وحقوق الإنسان، لكن في الخفاء هي تقول لكم: ناموا يا عرب.. ناموا فلا نريد أن ينافسنا أحد، فالقيادة كتبت لنا نحن، نعم للأسف القيادة من حقهم.. أتعلمون لماذا؟ لأنهم عرفوا السبيل إليها، وظلّوا صامدين عليها، ولم يتخلّوا عنها لحظة واحدة، وتمسّكوا بها، كما نجحتم أنتم في التمسك بكراسي الملك، لأنكم أخلصتم الولاء، وعبدتم المقاعد، وحكمتم دولاً بلا شعوب.
لا ننكر أن هناك بعض النوافذ في الوطن العربي، استطاعت الشمس أن تخترقها لتبعث منها الأمل، إلا أنها غير كافية، ولا يمكنها أن تكون دليلاً في زمن البهتان والكذب، في زمن الحيلة والدهاء. لن نتكلم أكثر من هذا، ولن نقدم التبريرات الكثيرة، فالعقول الواعية تعلم طريقها واتجاهها، ولا تخافوا يا سادتي الحكام، فالوعي ثبت في قلوب ربيع أمتنا العربية، وقد بدأ بصيص النصر يظهر من جديد، رغم كيد الماكرين.
والجدير بالذكر أن تكون خاتمة المقالة بتصوير البطولات على أساس إرادة الشعوب، وإصرارها على إظهار الحق، وإعلانه، في زمن اختلطت فيه الأوراق، وخصوصاً منها السياسية، فعليه من الضروري جداً الاقتداء بالعظماء الذين كرسوا حياتهم طامحين لبلوغ الأمجاد، ونشر ثقافة التغيير بأساليب مبدعة حكيمة، ترفض التهور، وتلح على الإصلاح.. فالبداية حرب سلمية واعية، والنهاية نصر مدجج يرتوي منه الحائرون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق