أبوبكر علي |
أجرت اللقاء: شوخان فرهاد
ترجمه من الكردية الى العربية : اسو احمد
• ما هو المدلول السياسي للدولة؟ ومتى ظهر المدلول؟
الدولة، بمعناها الجديد، عبارة عن مؤسسة سياسية لشعب أو قومية معينة على حيز من الأرض يسمى الوطن، وتحظى باستقرار السلطة، وبالاعتراف الدولي. فالعناصر المكونة للدولة هي: الأرض (الإقليم)، والشعب، والسلطة، والسيادة، والاعتراف الدولي. سيادة الدولة تفرض وجود سلطتها على كامل ترابها وشعبها، داخلياً، ومنع الدول الأخرى من التدخل في شؤونها الداخلية، في الحالات الطبيعية، خارجياً. ولكن مفهوم السيادة تعرض للتغيير بفعل العولمة والتدخل الإنساني، والدولة لا تستطيع التعامل مع مواطنيها حسب مشيئتها، كما كان في السابق. تتكون الدولة، من حيث الهيكل، من: السلطة
التشريعية (البرلمان)، والتنفيذية (الحكومة)، والقضائية، والمؤسسات العسكرية والأمنية. ومن حيث توزيع السلطات، تكون الدولة بسيطة، أو فدرالية، أو كونفدرالية. يعود تاريخ نشوء الدولة إلى آلاف السنين قبل الآن، ولكن تاريخ الدولة الحديثة، ونمط الدولة – القومية، لا يتجاوز الأربعمائة سنة، إذ يعود إلى القرن السابع عشر، حيث نشأت أول دولة، وتوالى نشوء الدول، حسب المفهوم الحديث، في كافة أرجاء العالم.
التشريعية (البرلمان)، والتنفيذية (الحكومة)، والقضائية، والمؤسسات العسكرية والأمنية. ومن حيث توزيع السلطات، تكون الدولة بسيطة، أو فدرالية، أو كونفدرالية. يعود تاريخ نشوء الدولة إلى آلاف السنين قبل الآن، ولكن تاريخ الدولة الحديثة، ونمط الدولة – القومية، لا يتجاوز الأربعمائة سنة، إذ يعود إلى القرن السابع عشر، حيث نشأت أول دولة، وتوالى نشوء الدول، حسب المفهوم الحديث، في كافة أرجاء العالم.
• لماذا لم يمتلك الكورد دولتهم المستقلة حتى الآن؟ و ما هي أسباب ذلك؛ الداخلية والخارجية؟
-حياة الكورد في القرن العشرين عبارة عن مأساة في الشرق مليئة بالألم، ويجب إجراء دراسات كثيرة تاريخية وسياسية واجتماعية عنها. لكني أستطيع الإشارة إلى بعض العوامل الداخلية والخارجية، أو الذاتية والموضوعية، فمنها: أولاً: العوامل الموضوعية (الخارجية)، ونعني بها تلك العوامل التي لا تتعلق بإرادة وواقع المجتمع الكوردي، ونستطيع الإشارة هنا إلى عدة نقاط:
-الموقع الجغرافي لكوردستان، ووقوعها بالقرب من العواصم الكبرى؛ كإسطنبول وتبريز وبغداد وطهران.
- طبيعة تقسيم كوردستان، وما نتج عنه من تعقيدات.
- طبيعة التكوين الكوردستاني، وانعكاس ذلك على الترابط الداخلي.
- مؤامرات الدول الغربية على الثورات الكوردية، والشعب الكوردي، ودورها في تقسيم كوردستان، والتغاضي عن قمع الأنظمة الحاكمة، بل ومساندتها.
- الحرب الباردة، وتبعاتها.
- اكتشاف النفط، والمعادلة المذهبية، فيما يخص كوردستان الجنوبية.
- سقوط الدولة العثمانية، وانتصار الحركة الكمالية في تركيا، وانقلاب رضا شاه في إيران.
ثانياً: العوامل الذاتية (الداخلية)، أي العوامل المتعلقة بشعب كوردستان والكورد أنفسهم، حيث تحدث الباحثون عن جملة منها، ومن هذه العوامل:
- هشاشة تكوين المجتمع الكوردي، وسيطرة الهوية القبلية، والخلافات الداخلية، عليه.
- نتج عن العامل السابق، ضعف ثقافة القيادة، وعدم القبول بشخص للقيادة يتجمع الناس حوله.
- خلط الخلافات القبلية والعائلية والمناطقية والشخصية بالحركة القومية، واندلاع الحرب الداخلية بين أجنحة الحركة.
- تأثير الأفكار اليسارية على الحركة الوطنية، من حيث خفض سقف المطالب، وشق صفوف الثورة والأحزاب، والاستفادة من الأبعاد الإسلامية للفرد الكوردستاني، وإشغاله بالمعارك الجانبية.
- ضعف الفكر القومي، نتيجة العديد من العوامل.
- ضعف الاستغلال المفيد للفرص، وعدم وجود استراتيجية موحدة، وخطة عمل محددة ومؤطرة.
- الاعتماد المفرط على الجوار، وارتكاب الأخطاء، في بعض الأحيان والأماكن، في تحديد الصديق والعدو.
* يقال إن الإسلام، وكون الكورد مسلمين، هو السبب في عدم تأسيس الدولة الكوردية، ما هو رأيكم؟ وهل لعب الغرب دوراً سلبياً في ذلك، أم لا؟
- لا يقول ذلك من يملك حتى قليلاً من المعرفة في تاريخ الكورد والمنطقة وطبيعة الإسلام. وكلام كهذا نابع من قناعة أيديولوجية تجاه الإسلام، وعدم الفهم، وخلط الهوية الإسلامية بالشعوب المسلمة، ولا يمثل قراءة منهجية للتاريخ، وذلك للأسباب التالية:
1. ليس من المنطق أن يمانع الإسلام في تكوين دولة للكورد، ويسمح بذلك للأقوام المسلمة الأخرى. وليس من السهولة بمكان إثبات فرضية كهذه.
2. الأب القومي للكورد، ومفجر أول ثورة قومية كوردية، هو الشيخ عبيد الله النهري، والذي كان من أعظم قادة الطريقة النقشبندية الشعبية. وهذا يبرهن أن:
أ/ أول انتعاش للفكر القومي الكوردي، وحمل للسلاح في سبيل الدفاع عن الحقوق القومية، والمطالبة بإنشاء كيان مستقل، كان في إطار إسلامي شعبي، ومن قائد ديني كبير.
ب/ ثورة الشيخ عبيد الله كانت ضد الإمبراطورية العثمانية، والدولة القاجارية في إيران. وادعاء الدولتين بتبني الإسلام، لم يمنع الشيخ، والكورد المسلمين، من حمل السلاح عليهما، من أجل إعادة الأمن والعدالة إلى بلادهم.
3. حتى منتصف الأربعينات، بل وفي مستوى آخر، إلى منتصف السبعينات، كانت الشخصيات الإسلامية الشعبية، وأعيان عوائل المشايخ، هي التي تشكل معظم القيادات القومية الكوردية الكبيرة والمعروفة.
4. لا نرى في كل التاريخ الحديث لكوردستان، ظهور حركة معينة حاربت الثورة الكوردية، والتطلعات القومية للكورد، باسم الإسلام.
5. من قسّم كوردستان كان الغرب، والأنظمة الاستعمارية، التي اضطهدت شعب كوردستان، وحرمته من حقوقه، وعاملته بالحديد والنار. كانت هي الأنظمة التي تحارب الهوية الإسلامية. وينطبق ذلك جلياً على تركيا الكمالية، وإيران الشاهنشاهية، والسلطة البعثية في كل من العراق وسوريا.
6. الأحزاب الإسلامية في كوردستان اليوم، هي في طليعة الأحزاب المطالبة بتحرير الأراضي الكوردستانية، واستعادة الحقوق والاستقلال، ويظهر ذلك بصورة أوضح في أدبيات (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني).
7. رغم النقاط السابقة، إذا فرضنا جدلاً أن سلطات ظالمة حاولت استخدام الإسلام اسماً وواجهة لشرعنة سياساتها ضد شعب كوردستان، فلم تكن لتلك السلطات علاقة بالإسلام، لا من بعيد ولا من قريب، بل كانت مرتبطة في الغالب بقوى معادية للإسلام.
عموماً، ومن وجهة نظر تاريخية، فإن حرمان الكورد من تأسيس كيان مستقل له، كان متزامناً مع انهيار الكيان الإسلامي التقليدي في المنطقة، وإبعاد الإسلام من الحياة العامة، وبهذا يكون الكورد والإسلام كلاهما قد تعرضا للظلم من نفس القوة والسلطة.
أما فيما يتعلق بدور الغرب، فتلك حقيقة تاريخية، وليس من السهولة إخفاؤها، وذلك للأسباب التالية:
1. ساهمت القوى الغربية بالفعل في قمع ثورة (الشيخ عبيد الله) عام 1881، والتي كانت أول ثورة قومية كوردية.
2. كان لهذه القوى الدور الأكبر في تقسيم كوردستان من خلال اتفاقية سايكس - بيكو. 3. عادوا الثورات الكوردية المطالبة بالحقوق القومية، ومن تلك الثورات ثورة الشيخ محمود، وثورة الشيخ سعيد بيران. 4. أجهضوا (معاهدة سيفر)، والتي اعترفت ببعض من حقوق الكورد، وكانت بداية لتأسيس دولة كوردية، وذلك من خلال عقد (معاهدة لوزان) مع تركيا. 5. اختار الغرب الصمت إزاء القمع الذي تعرض له شعب كوردستان، ولم يعترفوا بثوراته، بل اعتبروها أوراق ضغط سياسية، وإذا ما ساندوها فلم يكن ذلك من أجل الكورد، حيث أداروا عنها ظهورهم متى ما أرادوا، وتركوها تلقى مصيرها، وجمهورية كوردستان، وثورة أيلول، خير دليل على ذلك. 6. ساند الغرب الأنظمة القمعية، مادياً ومعنوياً، انطلاقاً من مصالحه.
• هل لدينا، نحن الكورد، مقومات الدولة ؟ وإذا كنا نملكها فلمَ الانتظار؟
-نحن كقومية عريقة في الشرق الأوسط، وأكبر قومية من دون دولة على مستوى العالم، كنا، وما نزال، نملك كل مقومات الدولة. هناك في العالم أكثر من أربعين دولة لا يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة، في حين نتجاوز نحن الكورد الأربعين مليونا، ونعيش على أرضنا (كوردستان) منذ فجر التاريخ، نمتلك الأرض والشعب والثقافة المشتركة، ولسنا مجموعة قومية دون أرض، فلسنا كورداً وحسب، بل نحن أصحاب كوردستان، أي أننا نعيش على حيز جغرافي، ولنا وطن خاص بنا، وهذا ما جعل قضيتنا قضية شعب وأرض. فليس عدم وجود عناصر الدولة، هو السبب في حرماننا من الدولة، أو أننا لا نمتلك الحق في ذلك، بل السبب هو النقاط السالف ذكرها. وليس شرطاً أن تبقى كما هي، وأن نبقى على حالنا من دون دولة، فنشوء إقليم كوردستان، وتغيرات المنطقة، والعالم، مبشرات بمرحلة سياسية تاريخية جديدة، إذا لم يعقها عدم الاستعداد الذاتي، تصبح فيها فرصة تأسيس دولة لنا فرضية مناسبة وواردة، خصوصاً في كوردستان الجنوبية.
• شهد التاريخ وجود عدد من الإمارات المحلية، هل حاولت تلك الإمارات إنشاء دولة، أم كانت عائقاً أمامه؟
- لم تحاول تلك الإمارات إنشاء دولة إلا قليلاً، مثل (الإمارة الدوستكية)، التي أصبحت شبه دولة، وأنشأ السلطان (صلاح الدين) الدولة الأيوبية. ولم تستطع الإمارات الكوردية، في القرن الخامس عشر، تحديد قائد موحد لها، حين طالبهم الملا (إدريس البتليسي) بذلك، بناء على رغبة من السلطان العثماني، وتعامل كل واحد من الأمراء على حدة، ولم يرتضوا بقيادة بعضهم على البعض، وأضاعوا بهذا فرصة تاريخية. كما شهد القرن الثامن عشر محاولات أخرى، باءت هي الأخرى بالفشل. ولكن ينبغي أن نعرف أننا عندما نتحدث الآن عن الدولة، فإننا نتحدث عن الأوضاع القائمة في بداية القرن العشرين، وما بعدها، حيث لم يبق للكورد أية إمارة قائمة، وكانت الكيانات الجديدة في طور الإنشاء، وهي التي لم تكن تسمح بعمل كهذا. الإمارات الكوردية، بشكل عام، كانت رمزاً لنوع من الاستقلال المحلي، لكن النزعة المناطقية طغت على أغلبها، ولم تستطع الانتظام في حدود أكبر من الإمارة. سقطت آخر إمارة كوردية حين بدأ العثمانيون والإيرانيون بعصرنة هيكل دولتيهم في القرن التاسع عشر، وخصوصاً في النصف الثاني من القرن، وتحول الكورد إلى مرحلة ما بعد الإمارات، حيث لم يستطيعوا الانتظام في نمط آخر. ومع أن (الشيخ عبيد الله) حاول من أجل إيجاد اتحاد للقبائل، وتجاوز الهويات المناطقية، عن طريق المؤسسات الدينية السنية والقبلية والمحلية، إلا أن كثرة العوائق وتنوعها، والمؤامرات التي حيكت ضده، حالت دون نجاحه.
• ما هي مكانة الدولة الكوردية في أدبيات الاتحاد الإسلامي الكوردستاني؟ وماذا تملكون لتحقيق ذلك الحلم؟
-آمن (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) منذ البداية بحق تقرير المصير لشعب كوردستان، وعرض ذلك في أدبياته منذ عام 1998، مؤكدا بأن تغيير حدود الكيانات التي تقاسمت كوردستان، ليس إثما، إذ لم تؤخذ القيم الإسلامية والعدالة والحقائق التاريخية والجغرافية والقومية في الاعتبار عندما رُسمت تلك الحدود، وكانت مصالح القوى العظمى، وقواعد تقسيم نفوذها، هي المقياس الرئيس في ذلك. وقد ثبّت (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني)، في مؤتمره الأخير، مسألة استقلال كوردستان الجنوبية، وجعلها إحدى استراتيجيات عمله، وأصبح بهذا أول قوة سياسية في إقليم كوردستان تطالب بشكل علني ورسمي بالاستقلال. ويعتبر (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) ذلك خطوة في البعد الواسع للنضال الإسلامي والشعبي لقادة الحركة القومية الكوردية
* نشر هذا اللقاء في جريدة (يةككرتوو)، العدد (982)، بتاريخ 31/3/2014.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق