ناخب عراقي |
أحمد الزاويتي
الهدف من الديمقراطية هو تداول السلطة وفق خيار الشعب، وهي دائما ما تؤدي إلى تغييرات في الوجوه أولا، ثم في أنماط الحكم، وفي أسماء ومضامين الأحزاب، فترى شخصا أو حزبا أو نمطا معينا من الحكم في القمة، وتراه بعد ذلك نسيا منسيا. هذا في المجتمعات المتحضرة، أو شبه المتحضرة، وترى فيها بديهيا أن الديمقراطية تؤدي إلى الأحسن في كل شيء، وخاصة في وضع الناس. فالديمقراطية عندهم مجرد وسيلة للتغيير نحو الأفضل، وليست ادعاء ولا شعارا.
أما عندنا في العراق، فالديمقراطية لا تعدو أن تكون وسيلة لفرض إرادة معينة، ونمط معين، ووجوه معينة، فهي ليست لتداول السلطة والتغيير نحو ما يريده المواطن، بل هي مقاس خاص يصنعه الحاكم لإبقاء ما في سيطرته تحت سيطرته، والإبقاء على سلطته.
إذن هما نموذجان: أحدهما يضاد الآخر تماما، يشبهان بعضهما في الاسم فقط.
ففي العراق، ومنذ 2003، جرى أكثر عدد من الانتخابات في تاريخه، والعراقيون بعد كل انتخاب كما هم، بل يكاد يكون الوضع قبل كل انتخابات أفضل منه بعدها، على الرغم من كل الوعود، وبرامج العمل، وضجيج الدعاية التي تكاد تبلغ إذن وقلب كل مواطن في العراق.
فالانتخابات هي التي أفرزت حكومات عراقية، إحداها أسوء من سابقتها، وكل منها تريد تثبيت نفسها بالانتخابات، وبعد كل انتخابات تظهر مظاهر التفرد بالقرار والسلطة والحكم، بصورة أقوى.. أليست الانتخابات في العراق هي التي أفرزت شخصا مغمورا كـ(نوري المالكي)، ليكون هو الذي يزيح منافسيه، كل بطريقة معينة: وما (طارق الهاشمي) نائب رئيس جمهورية العراق عنا ببعيد، ولا وزير المالية (رافع العيساوي)!.. ووصل به الأمر لإلغاء دور شركائه في العملية السياسية، وها هو أمام انتخابات أخرى يحاول أن يخطط لها ويبرمجها لتثبيت أركان حكمه، الذي يصفه شركاؤه في العملية السياسية بـ(الدكتاتوري)، حيث سيطر على (المفوضية العليا المستقلة للانتخابات)، لتكون غير مستقلة، وسيطر على قوة المال، والعسكر، والأمن، في الدولة، إلا البرلمان الذي لم يتمكن منه، فحاول تعطيل دوره.
هذا الذي جعل رئيس الوزراء العراقي يجعل من: (تشكيل حكومة الأكثرية) شعاره للانتخابات البرلمانية، ويقصد بذلك نفسه لا غيره، حتى ولو كان من كتلته، ويقصد به تثبيت أركان دكتاتورية جديدة في العراق، يتوقع المراقبون أنها كفيلة بتقسيم هذه الدولة إلى كورد لا يقبلون بها، وسنة يرفضونها، وشيعة سيتفردون بها، ثم سيتقاتلون فيما بينهم عليها.
هل العيب يا ترى في الانتخابات، أم في من يمارسونها؟
بالتأكيد العيب ليس في الآلية، بل في من يستخدم هذه الآلية، والذين أصبحوا خبراء في كيفية إدارتها، وكيفية السيطرة عليها، بدءا من خلق أجواء ما قبل الانتخابات، وأثنائها، ثم ممارسة التزوير، الذي أصبح فنا له أصوله وقواعده، بل ربما سيأتي يوم يكون له فيه علومه التي تدرس في الجامعات، بدءا من صياغة قانون الانتخابات في مصلحة القوي، ومرورا باستغلال مؤسسات الدولة، ووصولا إلى التصويت، والفرز، والتحكم بالنتائج، وفق ما يريده الطرف الذي تقوى بالانتخابات.
ديمقراطية الكورد في العراق
وليست (كوردستان) بمنأى من هذا (العراق) الذي نتحدث عنه، رغم أن تجربة الانتخابات في كوردستان سبقت نظيرتها في العراق، وأصبح لكوردستان تجربتها الخاصة في الانتخابات، هذه التجربة التي أفرزت قوى سياسية بين سلطة ومعارضة، إلى الحد الذي يمكن وصف هذه الانتخابات بأنها أفضل من انتخابات العراق.. لكن لا يزال بين انتخابات كوردستان، وبين ما يطمح له كل ديمقراطي في العالم بون شاسع. إلا أن ما يمكن أن نطمئن له هو أن الانتخابات في كوردستان، وبمرور الزمن تتطور خطوة بعد أخرى، فها نحن نرى تقدما ما لقوى كانت من المعارضة، على حساب قوى أخرى كانت في السلطة، وقوى كان وجودها محظورا، إلى قوى أصبح لها ثقلها السياسي، وقوى كانت متفردة بالسلطة، إلى قوى تشترك مع غيرها في السلطة، ناهيك عن التطور الذي يحصل فيما يقال عن التقدم العمراني، ومحاربة الفساد، وشعار الإصلاح، الذي تبنته المعارضة، وقبلته السلطة.
لنكن أقرب إلى تجربة تركيا وإسرائيل
أتمنى لديمقراطية كوردستان أن تكون أقرب إلى ديمقراطية تركيا وإسرائيل، منها لديمقراطية العراق، وديمقراطيات العرب! لتكون خطوة أولى نحو ديموقراطية أكثر تطورا، نرى فيها رئيسا للوزراء، أو وزيرا، مرة في السلطة، وأخرى في المعارضة، بل نرى بعضهم في قاعات المحاكم، وخلف قضبان السجون، ومن ثم نراهم يعودون لممارسة السياسة، ويصلون لكراسي السلطة ثانية كأفضل مما كانوا، ومن ثم نراهم يتركونها بإرادتهم، أو بقرار الناخب!.. قد يكون ذلك حلما، أو خطوة الألف ميل التي تبدأ بخطوة، لكن يجب أن تكون هدفا نسعى إليه جميعا، وأظن أن هذا هو الطريق الأفضل، لنكون تجربة متميزة تختلف عن غيرها، ويكون لنا نموذجنا الخاص بنا، الذي يحمينا من أي متربص يريد بتجربة كوردستان السوء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق