سالم الحاج
لعب الكورد في العراق، منذ 2003، بعد سقوط النظام السابق، إثر الاحتلال الأمريكي للعراق، دورا مؤثرا وحاسما، في إعادة هيكلة وتجديد الدولة العراقية، وبث الحياة والروح في جسدها المنهك.. إلى الحد الذي باتت فيه السلطة الكوردية، ممثلة في الحزبين الحاكمين (الديمقراطي الكوردستاني، والاتحاد الوطني)، يتهمان من قبل الأحزاب السياسية الكوردية الأخرى، ومن قبل شرائح واسعة من الشعب الكوردي، ونخبه الثقافية، بالتفريط في حقوق الكورد، ونسيان المصالح الكوردية العليا، في سبيل مصالح الآخرين..
واليوم، وبعد مرور أحد عشر عاما على تكوين ما سمي بـ (العراق الجديد)، وبعد أن بدأت ملامح النظام الجديد بالتشكل والظهور، وبعد إعادة تشكيل مؤسسات الدولة الأساسية، وخاصة الجيش والشرطة، فإن (الكورد)، في ظل المعادلات الجديدة، والاستحقاقات السياسية والانتخابية، يبدو كالشريك الخاسر، الذي بذل كل جهده، وأنفق ما في وسعه، من أجل إنجاح العمل، ثم يجازى بالنسيان والإهمال.. فبعد أن ساهم الكورد – ممثلين دائما بالحزبين الرئيسيين للسلطة في الإقليم – في ترسيخ ودعم وتعزيز العملية السياسية في العراق الجديد، وكانوا من الأعمدة الرئيسية التي استند إليها النظام الجديد، وساهموا في اجتيازه مرحلة الخطر، إذا بهم يتهمون اليوم بأنهم جزء من المشكلة، وليسوا جزءا من الحل. بل إن هناك من يدفع؛ من فريق رئيس الوزراء العراقي الحالي (المالكي)، باتجاه التصعيد مع الكورد، تصعيدا يتضمن تهديدات باللجوء إلى الحل العسكري أحيانا، كلما لاحت نذر خلاف أو أزمة مع الإقليم!!.. وهو الأمر الذي يحيي لدى الكورد مخاوفهم العميقة من الدولة المركزية
في العراق الحديث، التي لم يلاقوا في عهدها سوى الويلات وهضم الحقوق، ويدفعهم إلى الانكماش على أنفسهم، واتخاذ وضع الدفاع عن النفس، والتفكير باللجوء إلى الخيارات الأخرى، التي قد ترتفع أحيانا إلى حد التهديد بالانفصال عن العراق، وإعلان الدولة الكوردية الناجزة!
فهل هذا هو المصير الحتمي والمستقبلي لكورد العراق، وهل ما يحدث هو جزء من استراتيجيتهم، أم إنهم يدفعون إليه دفعا؟
لا شك أن حلم الدولة الكوردية لم يزل يداعب مخيلة الكورد منذ عشرات السنين، وقد قدموا في سبيل ذلك أنهارا من الدماء، وكثيرا من التضحيات، ولكنهم مع ذلك لم يعلنوا الانفصال عن الدولة العراقية حتى في أحلك ظروفها، وأصعب أيامها، التزاما منهم بالخيار الوطني الأرحب، ورفعا للعتب عنهم أمام أنفسهم، وجيرانهم، والعالم أجمع!
إن العوامل التي تدفع الكورد إلى التفكير في الانفصال، في عراق اليوم، هي أكثر من الأسباب التي تدفعهم إلى التشبث بالبقاء، والالتزام باللحمة الوطنية العراقية.. ومن هنا خطورة اللعبة التي يلعبها قادة العراق الذين يحكمون اليوم في بغداد، وعظم المسؤولية التاريخية التي تقع على عاتقهم.. وخاصة أن هناك الكثير من القرارات والسلوكيات التي تضخ باتجاه دفع الطرف الكوردي إلى موقف الدفاع والاستناد إلى الجدار.. فهل يعي قادة العراق الحاليون ذلك، وهل يدركون عواقبه على مصير العراق المستقبلي، وهل ما يفعلونه هو جزء من خطة مدروسة، أم هي مجرد ردات فعل عاطفية غير مدروسة، ولا محسوبة النتائج؟ وإذا كانت هذه السياسة محسوبة ومدروسة، فلماذا لا يتم المصارحة بها، ولماذا يبدو عليها التهور والاستعجال وعدم الوضوح؟!..
إن هذه السياسة التي تمارس تجاه الكورد اليوم من قبل بغداد، لا تحتمل إلا أحد أمرين، أحلاهما مر: إما أن تكون سياسة مدروسة، وآنذاك يكون الكورد في حل من الالتزام الأخلاقي الذي بدأوه ببناء الدولة العراقية الجديدة، ووضع الكورد شريكا حقيقيا فيه، وهو ما يدعوهم إلى فتح أبواب التفكير الجدي في ما يحقق مصالحهم القومية العليا..
وإما أن يكون ما يجري مجرد تخبطات، لسياسيين لا يعرفون عواقب أفعالهم، ولا يدركون مصالح أوطانهم، وهم على استعداد للمغامرة بكل شيء في سبيل تحقيق ما يظنونه صحيحا، ولو على حساب الوطن والمواطن والناس أجمعين.
فإن كان هذا الاحتمال الأخير صحيحا، وهو الراجح من مجمل الصورة التي ترشح للمراقب، فإن علينا أن نتوقع إذن ما هو الأسوء في قادم الأيام، وخاصة إذا حازت القوى الحاكمة اليوم في بغداد على تفويض جديد لها في الانتخابات القادمة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق