06‏/05‏/2014

عجائب العراق المتنوعة

محمود صالح كانيلاني 
كثيرة هي المآسي والأحزان والفواجع والمواجع - بكل الصفات والأشكال والألوان - التي يعيشها المواطنون العراقيون، والتي في مقدرة الحكومة التي ترأسهم وتديرهم نسبياً ونوعياً وكمياً -رعي الذئاب للأغنام- أن تقضي عليها تماماً، إن سعت لذلك، واعتبرت القضاء على مآسي ومشكلات وهموم الناس من ضمن أعمالها ومهامها الوطنية القانونية الكبرى، والتي من أجلها رضي الناس بهذه الحكومة، التي تثبت الشوارع يوما بعد آخر أنها لا تثق بها مطلقاً.
فمن هنا أتت بعض القناعات الصورية غير المبدئية: الصورة بيضاء في سبعة نقاط محمرة: الأولى: محطة وقود فارغة بدون ازدحام، والثانية: كهرباء لا تنقطع لأكثر من ساعتين، والثالثة: أربع عراقيين يتفقون على رأي واحد، والرابعة: ماء يصعد إلى أعلى منزل بدون ماطورات، والخامسة: بيت ليس فيه مولدة كهربائية، والسادسة: يوم ما يمر بدون أن يسمع الناس انفجاراً، والسابعة: شوارع ليس فيها ازدحام. 
وفي الواقع فإن جميع العجائب السبعة هذه طبيعية جداً، مقارنة بما يحدث في الواقع المر والأليم، كأنه الجحيم الذي يعيشه المواطنون، وهم راضون ساكتون عاجزون عن كل ذلك، كأنهم يجدون أنفسهم الصور التي تعكس في المرآة لرجال السياسة وأصحاب القرار والنفوذ والفساد، وإلا فكم من عجائب نراها كل يوم في البلد، الذي لا يُحسد عليه في العالم أحد؟ بل ونتجاوزها كأنها أحداث عادية روتينية يعيشها كل من على الأرض، وهم يتفاخرون ويتمادحون: أليست أحداث الحرب العسكرية والإرهاب غير المنتظم، في الأنبار والفلوجة، عجيبة؟ أليس القصف العشوائي بالقذائف والرصاص، على بيوت المدنيين في المدينتين، هي الأخرى عجيبة؟ أليس إهمال حقوق الأقليات الدينية والقومية، ووضعهم في دائرة النار المحرقة، بفتاوى تشددية، مستوردة بأموال لا يعرف مصدرها إلا المفتون، عجيبة؟ أليس تجاوز عدد الفقراء إلى أكثر من سبعة ملايين نسمة، عجيبة؟ أليس إهمال حال الطلاب والعمال، ومستقبلهم، عجيبة؟ أليس ازدياد عدد الأرامل والمطلقات واليتامى، وترك الناس الزواج، وازدياد عدد المنتحرين، وازدياد عدد المرضى المصابين بالأمراض النفسية، عجيبة؟ أليست الاغتيالات المنظمة، التي تطال الصحفيين والإعلاميين، دون أن يعرف أحدٌ القائمين بها، والمتورطين بها، عجيبة؟ أليس التعود على حياة تتوقع فيها وقوع انفجار أمامك كل لحظة، عجيبة؟ أليس استمرار الخلافات والاتهامات السياسية، منذ أكثر من عشر سنوات، بين الفئات السياسية، عجيبة؟ أليست آراء الكثير من الكتاب والمحللين السياسيين والصحفيين، منذ عشر سنوات، وأكثر، بأن لا مكان وحواضن للمنظمات الإرهابية، إلا تحت العباءات التي تتستر بالإسلام، في العراق، عجيبة؟ أليس نكران تورط الأحزاب الليبرالية العلمانية بالإرهاب، عجيبة؟ أليس حديث الناس عن السياسة عند الأكل والشرب والنوم و... عجيبة؟ أليس إهمال الناس الجوانب الروحية الإيمانية، واعتناق الهوى ورغبات المادية الغربية، عجيبة؟ أليست ميزانية العراق، بأرقامها الصفرية الدولارية، والواقع لا يعكس الأرقام، عجيبة ؟ أليس تبرع العراق بـ (13) مليون دولار للنازحين السوريين، عجيبة؟ إضافة إلى كل ذلك هنالك عجيبة أخرى، هي سيدة العجائب، في العراق خاصة، وفي الدول العربية التي شهدت ثورات (الربيع العربي)، على حكامها الديكتاتوريين، عامة، وهي أن الشعب بات معدوم الثقة والأمل في حكامه.. الشعب لا يحيا متفائلا ً، لأنه لا يجد أملاً في الحياة، يستطيع من خلاله بناء المستقبل، وتحديد أهداف يطمح من خلالها إلى دخول العراق ضمن لائحة الدول المتقدمة والمتطورة والديمقراطية (أياً كانت المبادئ التي يستنبطون منها)، وليقضي بهذا الأمل على كل مسببات التخلف والفساد. وماذا باستطاعة الشعوب أن تفعل، إذا كانت لا تجد فيمن يرعونها ويحمونها ويربونها، والمفروض أن يسيرونها نحو كل خير وتقدم، ويحنون عليها كما تحن الأمهات على أبنائها، المثل الأعلى والقدوة الخيرة المقتدى بها؟! وكيف تتطور وتتقدم شعوب، هَمُّ حكامها الأكبر أن لا تصبح شعوبهم واعية، مثقفة، مدركة للوقائع والأحداث في بلدانهم؟ وكيف يتم القضاء على الفساد في دول، لو تم القضاء على الفساد فيها، لكان على أكثر السياسيين والإداريين تقديم استقالتهم، بحجج مختلفة، كيلا يشملهم قانون العقوبات، ولعنة الآباء والأمهات، والأرض والسماوات؟! جائحة العراق، والمصيبة العظيمة التي يواجهها، هي أن تعدد وتلون أنواع العجائب (غير العجيبة) فيه، بنظر أهله، كثيرة، وليس هناك سياسيون يفكرون في الوصول إلى حلول جذرية لكل المشكلات العالقة هنا وهناك، والمخفية تحت المصالح الحزبية والمذهبية، بل إن همهم الوحيد هو الانتصار لطائفتهم ومذهبهم، وأقليتهم الحزبية، أو القومية، وبعد ذلك يتغنون بالأغاني والأشعار، التي تحث على الوطنية، والعيش بحرية، ونبذ الطائفية، والقضاء على كل الجماعات الإرهابية. وعندما يفكر المواطن قليلاً، يجد أن كلمات الأغاني، وألحانها، كتبت ولحنت وأخرجت بتشجيع من طائفة معينة، صاحبة قنوات معينة، وهذه الأغنية لا تُشاهد إلا في هذه القنوات، يُتنفس ويُتحسس منها روائح طائفية معينة، وبذلك حتى الفن باتت الناس تشم منه روائح كريهة، تقشعر منها أبدانهم، وتحرق أعصابهم، وتنتهك حرماتهم، وتتهم رجالات وعلماء دينهم وشيوخهم بالطائفية والعمالة للدول الغربية، حتى أصبح الفن هو الآخر عجيبة من ضمن عجائب العراق المتعددة والمتنوعة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق