02‏/11‏/2015

الأستاذ نشأة غفور.. قامة دعوية كوردية، في ذمة الله

الشيخ فائق نامق
لم أتمالك نفسي من البكاء حين سمعت بوفاة القامة الدعوية الكبيرة، (الأستاذ نشأة غفور سعيد)، وهو يؤدي ركن الحج الأعظم (عرفة) في الديار المقدسة، يوم الأربعاء التاسع من ذي الحجة 1436 الموافق 23-9- 2015، لكن في الوقت ذات شعرت باطمئنان كبير، لان الله تعالى قد استجاب لدعاء هذا الرجل الرباني الذي كان يتوق شغفاً للقاء الباري في تلك البقعة المباركة، فحظي بما أراد، ودفن بمكة، في ثاني أيام العيد بعد أن صلى عليه آلاف من المسلمين صلاة الجنازة.
وسرعان ما عادت بي ذاكرتي إلى حيث سنوات طويلة مضت بمدينة كركوك، وأنا برفقة أستاذنا الكبير (أبا هيمن) في العديد من المحطات الدعوية، فقد خبرته رجلاً يعيش لدعوته بوقته وماله وجهده ومستقبله،
وتأثرت به كثيراً، فكراً وسلوكاً.
هذا الرجل الصالح المصلح ولد بكركوك سنة 1935، وكان من أوائل الذين انتموا لـ (دعوة الإخوان المسلمين) حين انطلاقها في العراق، وبعدها في كوردستان، لإدراكه أن هذه الدعوة المباركة لم تأت من فراغ، ولم تكن تعبيراً عن انقطاع في مسيرة الأمة الإسلامية بقدر ما كانت تواصلاً واتصالاً لمسيرة الدعاة والمصلحين السابقين.
لذا استقر في روعه أن (الإخوان المسلمين) حركة مثلى تعبر عن أهداف الإسلام وبرامجه، وتدفع أفرادها إلى الالتزام بالعمل على تحقيق هذه الأهداف في واقع الحياة، مع الصبر على ما يلقون من محن في سبيل تحقيق هذه الأهداف دون أن يضعفوا أو يتوقفوا عن مواصلة المسير.
وكنت على الدوام أتلمس في شخصية فقيدنا الصبر والمثابرة، والاستقامة وطول النفس، والطيبة والتواضع، لطالما أحسست أن نهضة الأمة وتمكينها ستكون بهؤلاء الرجال [مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً].
وقد وضع أستاذنا نصب عينيه، منذ بواكير انتمائه الحركي، ضرورة النهوض بمتطلبات الدعوة ونشرها، وكان يردد دائما قول الله تعالى: [وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ].
تدرج رحمه الله في وظيفة التدريس في العديد من المدارس، بالإضافة إلى تقلده مناصب تربوية، وإدراته للعديد من المدارس – المتوسطة والإعدادية – متنقلاً بين محافظات العراق (الناصرية وبابل)، ومن ثم مدارس كوردستان (كركوك والسليمانية )، منذ عام 1958 حين كان معلماً، ولغاية 1993 مديراً عاما لتربية السليمانية، وإحالته على التقاعد سنة 2006.
ولم تعقه ظروف المعيشة والتزامات الوظيفة، طوال تلك السنوات، من القيام بمهام الدعوة إلى الله، والعمل للإسلام، فتراه ينظم وقته ويقسمه بين إدارة الأسر التربوية، والوعظ والإرشاد في المناسبات الدينية، ومحاضراً في الندوات الفكرية، ومشاركاً في المحافل الإسلامية، وانتخب رئيساً لـ(مركز كوردستان للإعجاز العلمي في القرآن والسنة)، ومساهماً ناشطاً في (مركز الزهاوي للفكر الإسلامي) بالسليمانية، مع تخصيص قسم من وقته للترجمة والكتابة والتأليف.
وأسهم فقيدنا في رفد مسيرة الدعوة بالعديد من النتاجات الفكرية والعلمية، فكان ينشر مقالات في مجلة (الثقافة الإسلامية) الصادرة في بغداد من سنة 1957 ولغاية 1961، كما نشر أكثر من ستين مقالة في مجلة (التربية الإسلامية) الصادرة في العاصمة العراقية أيضاً من سنة 1968 ولغاية 1975.
ولأستاذنا الراحل نتاجات أخرى تراوحت بين الترجمة والتأليف، ومن أبرز ما ترجم إلى الكوردية: (البيت الإسلامي كما ينبغي أن يكون، لـلدكتور مقداد يالجين)، و(فقه الزكاة، للبرفيسور الشيخ علي القرداغي)، و(معالم في الطريق، لسيد قطب).

كما ألف العديد من الكتيبات التربوية والنشرات الإرشادية منها (تأملات في سورة يوسف)، و(الإعجاز البياني في سورة يوسف)، و(النظرية التربوية في الإسلام)، و (الأمن الاجتماعي في الإسلام)، و(نظرية الدولة في الإسلام)، و( تأملات في سورة الفتح)، و( تأملات في سورة الحجرات)، و(استخدام المعرفة العلمية في ظلال القرآن)، و (التقوى في القرآن الكريم)، و(كيف يطرق الإسلام أبواب القرن الحادي والعشرين).
واستمر يرفد مجلة (الحوار) الصادرة في أربيل عن مكتب الإعلام للاتحاد الإسلامي الكوردستاني بالعديد من النتاجات آخرها موضوعا بعنوان (ماذا يبقى من الداعية الحاج سليمان القابلي) في العدد 149 -150، 2015، وهو موضوع ظهر فيه مدى تأثره بأستاذه ومربيه (القابلي) المتوفى بكركوك سنة 1995.

ترك فقيد الدعوة والإصلاح الأستاذ (نشأة غفور) بصمات تربوية، وآثاراً خلقية رفيعة، وسمات سلوكية نجيبة، فرحمة الله عليه وجعله من الذين قال الله فيهم [جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق