02‏/11‏/2015

اكتشاف المخطوطة القرآنية.. رد على شبهات قديمة - جديدة

د. فَرست مرعي
أعلن باحثون في جامعة برمنغهام البريطانية، عن عثورهم على صفحات من نسخة من مصحف، وبفحصها بالكربون المشع، تبين أنها الأقدم في العالم حيث تعود إلى قبل 1370 عاماً. وحسبما ذكرت مصادر إعلامية بريطانية، فإن هذه الأوراق موجوده في مكتبة الجامعة منذ قرن من الزمان، ولم يهتم بها أحد، وتم حفظها ضمن مجموعة من المخطوطات والوثائق الخاصة بالشرق الأوسط، حتى لفتت نظر أحد طلبة الدكتوراه، وتم إخضاعها للفحص بالكربون المشع، في وحدة تقنية بجامعة أكسفورد، وتبين أن النص مكتوب على جلد الغنم، أو الماعز، بالخط الحجازي، والمعروف بأنه من أقدم الخطوط العربية. ويمكن لتقنية الكربون المشع أن تحدد عمر الأشياء بنسبة 95%، ووفقا للفحص الذي تم على المخطوط
فإنه يعود إلى ما بين عامي 568 م و 645 م، فيما نزل الوحي على الرسول محمد (عليه الصلاة السلام) في الفترة ما بين عامي 610 إلى 632م، وهو ما يعني أن الذي قام بكتابة هذه المخطوطات، قد عاش في زمن النبـي محمد (صلى الله عليه وسلم)، أو أنه عرفه، وربما كان مقرّباً منه، أو من خلفائه الراشدين، وتحديداً الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان(644-655م)، الذي جمع القرآن الكريم، بحسب قول البروفيسور (ديفيد توماس) الأستاذ المختص بالمسيحية والإسلام، في (جامعة برمنغهام)، وبذلك فإن هذا المخطوط يكون من أقدم نصوص القرآن الكريم الموجودة في العالم. 
ومن جهته قال (محمد عيسى والي)، خبير المخطوطات في المكتبة البريطانية: هذا الاكتشاف مذهل، وسيدخل السعادة في قلوب المسلمين. هما لفافتان مكتوبتان بخط حجازي جميل ومقروء، تعودان بكل تأكيد إلى زمن الخلفاء الراشدين الثلاثة الأوائل.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المخطوطة، ضمن أكثر من 3000 مخطوطة ووثيقة، جمعها (الفونس مِنكَنا) القس الكلداني الكوردي، ونقلها إلى مكتبة (سيلى أوك)، في (جامعة برمنكهام)، في بريطانيا، في زيارتين متتاليتين إلى العراق، في عامي 1924 و1925م على التوالي، من بينها (2317) مخطوطاً عربياً، و(606) مخطوطات سريانية وكرشونية، مع مجاميع أخرى.
والفونس مِنگنا (allophones mingana) هو (هرمز بولص مِنگنا)، أو (منگانا)، ولد في 23 كانون الأول من عام 1878م، في قرية (شرانش العليا) (=نصارى)، الواقعة على بعد 22كم شمال مدينة (زاخو)، التابعة لمحافظة دهوك في كوردستان العراق، وتوفي في 5 كانون الأول من عام 1937م، في مدينة (برمنكهام) البريطانية. كان والده قسيساً كلدانياً في قرية (شرانش)، ومنذ صغره أرسله والده، وعمره 12 سنة، ليدخل معهد (مار يوحنا الحبيب)، الذي كان قد تأسس في مدينة (الموصل) عام 1858م، لكي يتخرج، وليصبح قسيساً.
كان (هرمز) فتى ذكياً مثابراً في تحصيل العلم، يحب المطالعة، ويعشق تعلم اللغات، وقرائتها، فخلال دراسته الأولية أتقن اللغات التركية والسريانية والعربية، كما كان ملماً بالكوردية، وعندما التحق بمدرسة الآباء الدومنيكان سرعان ما تعلم الفرنسية والعبرية، وكان متقدماً في دراسته، وقد رسم قسيساً في عام 1902م، واختار له اسماً جديداً وهو (الفونس)، وهو تقليد درج عليه رجال الدين من المسيحيين، ليفرقوا بين الفترتين المدنية (=العلمانية)، والدينية، التي تتميز بالتقشف والتبتل!.
وبعد فترة أشهر من ممارسته الدينية في (شرانش)، اختير من بين الخريجين، لإتقانه كتابة اللغة السريانية، لأن يحلّ محل أستاذه في المدرسة الدينية العالية: (الأب أوجينمنا المتوفى سنة 1928م)، الذي أصبح مطراناً. ولم يكد يدرس لفترة وجيزة حتى عهد له أيضا تصحيح الكتب المدرسية باللغات التركية والعربية والفرنسية، التي كانت تطبعها (مطبعة الآباء الدومنيكان) في (الموصل)، التي كانت قد تأسست سنة 1858م.
أدرك (الفونس مِنگنا) أن السريان القدماء خلفوا لنا كتباً عديدة مهمة، في العهد الفارسي الساساني ــ بين القرنين الثاني والسابع الميلاديين-، فراح يبحث عنها في الأديرة والكنائس القديمة، في بغداد والموصل وأربيل وزاخو وديار بكر التركية، ويستنسخ ما يستطيع منها. وخلال هذه الفترة ألّف بضعة كتب ودراسات تاريخية، بعضها بمشاركة مستشرقين إنكليز وفرنسيين.
والقس المذكور مثير للجدل، فقد زوّر مخطوطة (اقرور- تاريخ أربيلا- إربل) سنة 1907م، حول الانتشار المبكر للمسيحية في كوردستان، وحاول انتحال اسم مؤلفها: (مشيحا زخا)، وباعها إلى (مكتبة برلين) تحت رقم (3126) بمبلغ 3500 مارك ألماني عام 1914م، واستطاع (منكنا) أن يخدع المستشرقين بذلك زماناً طويلا؛ إلا أن السواد الأعظم منهم يميلون الآن إلى اعتبار هذا التاريخ وثيقة مزيفة، لا ترقى إلى أبعد من مطلع القرن العشرين. وبعد كشف تزوير المخطوطة، تبيّن بأن المخطوطة  حديثة، كتبها القس (أوراها شكوانا الألقوشي1851-1931م)، وأجرى عليها محاولة تزوير بإشباعها من دخان تنور، حسبما توصل إليه الخبير في المخطوطات، الألماني: (اسفالج)؛ كما أن القس (شكوانا) اعترف لصديق له بأن (منگنا) علمه الطريقة التي يمكن أن تبدو المخطوطة قديمة. أضف إلى ذلك، أن الراهب الكرمليسي (توما بن حنا بلوطا) اعترف للأب الفرنسي الدومنيكي (فوستي)، بأنه قد كتب عنوان الكتاب المنحول بخط يده.
ومن جانب آخر، فقد انتقده الأب (بيترس البولانديستي) انتقاداً لاذعاً، في مجلة (بيزنتيون). وأعاد المؤرخ الكنسي الدومنيكاني الفرنسي: (جان موريس فييه)، الكرّة عليه، وعلى كتابه المنحول: (مشيحا زخا)، في مجلة الشرق السرياني، العدد 12 لسنة 1967م، وأكد بأنه لم يعثر أحد على مخطوطة (أقرور) الأصلية.
لذا طلب بطريرك الكلدان في العراق: (مار عمانوئيل الثاني)، المتوفى سنة 1947م، من الآباء الدومنيكان في الموصل، بإيقاف طبع الكتاب.
وكرّد فعل من قبل (مِنگنا)، قام بطرح آراء جريئة معارضة لكنيسته الكلدانية الكاثوليكية، من ناحية الأصل، والطقوس، وغيرها؛  كما اُتهم بعدم صدقه في تاريخ كتابة المخطوطة، ومحتواها. مما سبّب خلافاً بينه وبين رؤوسائه، فأعفي من التدريس، وأعيد قسيساً إلى قريته (شرانش)، وعاش سنوات وهو يفكر بالسفر إلى الخارج. وللخروج من أزمته، قام بمحاولة جريئة، غيّرت مجرى حياته إلى الأبد، حيث غيّر معتقده الكاثوليكي، إلى البروتستانتي (= الأنكليكاني)، وغادر وطنه كوردستان العثمانية، إلى بريطانيا، في17 من آذار عام 1913م، وبالتحديد إلى أحد المراكز العلمية البريطانية، وهيكلية (وود ــ بروكة)، حيث بدأ بدراسة اللغة الإنكليزية، وفهرسة وتنظيم المخطوطات، ونسخ المخطوطات التي جلبها معه. وفي عام 1915م التقى بالآنسة (ايميفلور)، وكانت طالبة علوم دينية من (النرويج)، تدرس معه، فتعرّف عليها، وتزوجها في عام 1916م، وأنجبت له ولداً وبنتاً. وانتقل في نفس العام إلى (مكتبة جونرايلاند)، التابعة إلى (جامعة مانجستر)، للعمل كمسؤول لقسم المخطوطات الشرقية، والتي تضم مخطوطات قديمة عربية وسريانية وتركية وفارسية، وعاش بقية عمره في مدينة (مانشستر)، ومات فيها سنة 1937م بصورة مفاجئة عن 59 عاماً.
وتجدر الإشارة إلى أن اهتمام (الفونس مِنْگـَنا) بمخطوطات القرآن الكريم، راجع في اعتقاده إلى أن اللغة السريانية، خليفة اللغة الآرامية القديمة، لها تأثير مباشر على مصطلحات وأسماء الأعلام القرآنية؛ وحتى في بعض المفردات الأساسية القرآنية، وكانت نتيجة هذه الجهود، واطلاعه على كتاب (دراسات محمدية)، للمستشرق اليهودي المجري (كولدزيهر المتوفى سنة1921م)، الذي كان أول من شكّك في الأحاديث النبوية، أثر كبير في تأليفه كتاب: (التأثير السرياني في أسلوب القرآن). وقد نُشرت هذه الدراسة بالإنكليزيّة سنة 1927م، تحت عنوان: Syriac Influence on the Style of the Qur’an) ). وذهبت هذه الدراسة إلى أن هيمنة المعجم السرياني على لغة القرآن، بلغت نسبة وصلت إلى 70%، بينما توزّعت بقيّة النسب على الحبشيّة (5%)، والعبريّة (10%)، واليونانيّة القديمة (10%)، والفارسيّة (5%). والحقّ، أنّ (مِنكَنا) لم يبن عمله على مستندات في البحث علميّة، أو على بحث في الإحصاء دقيق، يمكن الاطمئنان إليه.
وحين لاحظ المستشرق الاسترالي (آرثرجفري(Arthur Jeffery، المتوفى سنة 1959م، أن (منگنا) أرجع قسماً من (الدخيل في القرآن) إلى أصول سريانية، كتب سنة 1938م (معجم المفردات الأجنبية في القرآن)، وصدر الكتاب في طبعته الأولى بالإنكليزيّة سنة 1938م تحت عنوان: The Foreign Vocabulary of the Quran))، أكد فيها أن المسيحية المعروفة للعرب قبل الإسلام كانت من نموذج سرياني هو النموذج اليعقوبي (=منوفستي – أصحاب الطبيعة الواحدة)، أو نسطوري"، ولاحظ أيضاً أن نصوصاً إسلامية متعددة، تذكر اتصالات (محمد) مع مسيحيين سريانيين أو عرب!.
كما أعلن أن هناك  314 كلمة دخيلة على المعجم القرآني، رتّبها حسب حروف المعجم في العربيّة، وقام منهجه على الخطوات الثلاث التالية: أُولاها رصد معنى الكلمة الدخيلة في عدد من كتب التفسير القرآنيّ، (خاصّة تفاسير: الطبري، والزمخشري، والبيضاوي)، ومن كتب علوم القرآن (خاصّة: الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي). وثانيتُها: تعيين معنى الكلمة لغة في المعاجم العربيّة، مثل (لسان العرب)، لابن منظور، و(المعرّب) للجواليقي. وثالثتهُما: ضبط أصول الكلمة، موضوع الدرس، في السريانيّة الآراميّة، والعبريّة، وذلك بإثبات رسمها، وتعيين دلالتها.
غير أنّ هذا التمشّي المنهجيّ الذي أقام عليه (جفري) بحثه، يبقى محدودَ الجدوى، وعلّة ذلك أنّه لا يمكن الاستدلال على مرجعيّة لغويّة لنصّ ما، بالتعويل على ما أُلِّفَ لاحقا (تعيين معنى كلمة قرآنيّة بالرجوع إلى(لسان العرب لابن منظور) مثلاً، حسب الباحث التونسي (بسام الجمل).
وهذا الخلل المنهجيّ لم يسلم منه أيضا الكاتب الألماني، السوري الأصل، الذي يوظف اسماً مستعاراً: (كريستوف لوكسنبارغ)، في كتابه الذي تبنى فكرة (منكنا) حول التأثير السرياني، والذي أثار جدلاً واسعاً بين الدارسين الغربيين، وهو بعنوان (قراءة سريانية آراميّة للقرآن: مساهمة في فكّ شفرة اللغة القرآنيّة) (الطبعة الأولى بالألمانيّة سنة 2000م)، تم ترجمتها إلى الإنكليزيّة سنة 2002م، بعنوان: The Syro-Aramaic Reading of the Kuran: a Contribution to the Decoding of the Quranic Langage.
ويعمد (لوكسنبارغ) في مرّات عديدة إلى تغيير حروف بعض الكلمات، مع المحافظة على رسم الكلمة قبل الإعجام، وهو بذلك يستعيد صورة المصاحف الأولى، ويبدّل أحيانا مواقع الحروف في الكلمة موضوع البحث الفيلولوجي، بلو يغيّر كلمات برمّتها.
والحقّ أنّ التحرّيات الفيلولوجية التي أنجزها (لوكسنبارغ)، بالشكل الذي ذكرنا سابقاًّ، كانت سبباً مباشراً في أن توجّه إليه عدّة انتقادات، من أهمها: اختياره المنهجي ّالمقلوب، بتعويله على (لسان العرب)، في فكّ غموض معنى الكلمة القرآنيّة. ومنها: أن ّردّه غموض بعض الكلمات القرآنيّة إلى أخطاء في الرسم، وفي ضبط القراءة المناسبة، تعليل لا يمكن قبوله، إذ من المستبعد أن يذهل العلماء المسلمون عن أخطاء محتملة من هذا القبيل، طيلة ما يزيد عن أربعة عشر قرناً. ومنها أيضاً: طغيان النزعة التخمينية على بحثه الفيلولوجي، فضلاً عن عدم استفادته من حصيلة جهود قرنين من الدرس الفيلولوجي، بما أنّه لايبني عمله على البحوث السابقة في هذا الباب، فقد درس حوالي 75 حالة وردت في المصحف، وتبنّى فرضيّة وجود ما يُسمّى بـ (قرآن أصلي)، استُعملت فيه عدّة تعابير سريانيّة؛ أي إنّ في القرآن فقرات عديدة لم تُكْتَب ْأصلاً بالعربيّة، بل كُتِبت بما يسمّيه (لغة مزيج)، جمعت بين العربيّة والآراميّة.
وغني عن القول إن هناك اختلافات بين نصوص القرآن الواردة في المخطوطات القديمة، قبل التنقيط والتحريك، وبين المصاحف التي هي الآن بين أيدينا. إلا أن هذه الاختلافات تنحصر في أنواع الخطوط العربية، وتنقيط الأحرف، وطريقة ضبط الكلمات وتشكيلها. فالاختلافات ليست في المضمون، وإنما في طريقة الكتابة الموجودة، وتتعلق بالخطوط العربية، وعلامات الضبط، والتجويد، والعلامات النحوية، التي ظهرت في مراحل تاريخية متأخرة. وعلى ذلك، فهي خلافات تتعلق بالشكل، وطريقة التدوين، وليس لها علاقة بنصوص القرآن الكريم.
وتصعب قراءة هذا النوع من الكتابة إلا على المتخصصين في الخطوط، إذ ينعدم فيها التنقيط تماماً، ويكون على القارئ أن يدرك أياً من هذه الأحرف هو المقصود في كل حالة.
كان في نية (مِنگنا)، ومن جاء بعده من المستشرقين، وغيرهم من الباحثين العرب، الذين نسجوا على منوالهم (= أبو موسى الحريري، نبيل فياض – نموذجين)، الادعاء بأن القرآن الكريم لم يكن موجوداً زمن النبـي محمد (صلى الله عليه وسلم)، بل تمت كتابته فيما بعد، لتبرير الفتوحات الإسلامية. ومن جانب آخر، التأكيد بأن القرآن كان مكتوبا باللغة السريانية، وأن العرب المسلمين غيرّوا فيه، وأضافوا الآيات التي تؤكد نزوله أو ظهوره باللغة العربية، في مرحلة لاحقة في العصر الأموي. غير أن الرياح لم تجر بما تشتهيه السفن، فقد أكد الخبراء الغربيون أن النسخة الجديدة ترجع إلى عصر الخليفة (عثمان بن عفان)، تحديداً، ومكتوبة بالخط الحجازي، وليس السرياني.
لقد زوّر رجل الدين المسيحي، والمستشرق فيما بعد: (مِنگنا)، الدين والتاريخ المسيحي، واتهم من قبل بطريركه: (مار عمانوئيل)، ورجال الدين الكلدان: العراقيين، والفرنسيين، والألمان، بعدم الأمانة (=تزوير المخطوطات)، والمصداقية. فما بالك بالدين الإسلامي، الذي يعد في نظرهم - على أقل تقدير- إحدى الهرطقات المسيحية؟، وأن القرآن الكريم إحدى مختصرات العهد الجديد؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق