02‏/11‏/2015

مَنِ الذي أكلَ كعكة الوطن...؟

 هفال عارف برواري
كثيراً ما نسمع في الآونة الاخيرة مثل هذه المصطلحات التي يطلقها دعاة الوطنية، الذين ناضلوا في سبيل تحرير أراضيهم، والذين كانوا يوماً من الأيام يبيعون الغالي والرخيص في سبيل الوطن، بل كان أحدهم مستعداً لأن يضحي بحياته، عندما يسمع مجرد أُغنية حماسية تلهب مشاعره، وسط من كانوا يسمون بالأعداء؟.. ثم ما لبثت أن تحققت مطامحهم وأهدافهم، التي كانت أحلاماً بالنسبة إليهم، وأصبحوا مستقلين، يديرون أمورهم بأنفسهم. وأصبحوا هم ورثة الحكم، وإدارة الوطن، فهم من ناضلوا، وهم يستحقون أن يكون لهم الفضل في زرع بذرة الاستقلال، وإروائها، لكي يقف هذا الوطن على رجليه، ويستعيد قوته، واستقلاله، مثلما فعله الكثيرون، أمثال: نيلسون مانديلا، وغيرهم. وبالتالي، ليزدهر هذا الوطن، بحيث يكون مضرباً للأمثال أمام أوطان العالم..
ولكن العجيب أن ورثة الحكم، والذين ناضلوا من أجل هذا الوطن، حوّلوا أوراق وراثة الحكم، الى مدعي النضال للوطن نفسه، وليس للسلطة التشريعية المستقلة، والقضاء الوطني. وقد كان من المفترض أن يفسحوا المجال للشعوب، لكي تفرز ما بداخلها من طاقات مبدعة، وتقوم هي بالتقدم والرقي المنشود، والذي كان حلم هذا الشعب، وبه كانوا يتغنون على أنغامها.. ولهم الحق في ذلك؟ فعندما ذاقوا طعم الحكم، وسطوته، ونعيمه، وملذاته، وما يُجنى من ورائه من أموال طائلة!! نعم، نعم، فالأوطان لها مخزون مالي رهيب، جعل المناضلين القدماء يستشعرون بحرص الأعداء قديماً كي يحتفظوا بهذه الأوطان تحت سطوتهم!..
نعم، لقد وصلوا إلى هذه الحقائق.. لذلك برَّروا إدامة سلطتهم ونفوذهم إلى أجل غير مسمّى! على أسس وأعراف وتقاليد مناطقية! وليس قوانين دولية.. فهم من ناضلوا، وهم من يجب أن يحكموا الوطن!.. وأصبحوا - من غير أن يدروا- عالةً على رقاب أوطانهم، وقد نسوا - أو تناسَوا- أنّ نضالهم كان في الأصل من أجل تحقيق الحرية والعدالة المطلقة..
والغريب أنهم حوّلوا الوطن إلى (كعكة)، لكي يأكلوها، وينهبوها!! وأن هذه (الكعكة) هي عربون كل هذا الجهد والنضال الذي قدموهُ فداءً للوطن !..

نعم، لقد أصبحت الأوطان كعكة تؤكل!! والذي ناضل، هو الذي يستحق هذه الكعكة!.. لذلك ترى معارضي السلطة، في كل انتخابات، يتحدثون عن ما وصلت إليه حال أوطانهم، من فساد، ودمار في البنية التحتية، وتحوّل القانون إلى محسوبية، وأنه.. وأنه.. ويتكلم هذا المعارض ليل نهار عن الأوضاع المتردية، ويتكلم عن إحصاءات وثروات لا يفهمها العامي، أو لا يستوعب أرقامها!.. أما السلطة، فهي لا تتكلم، ولا تدافع عن نفسها، بل تنهي كل هذا الضجيج فيما يقال من مساوئ ومعاناة، بجُمَل مختصرة، وهي: "هل تريدون الجلوس على سفرة كعكة الوطن بهذه السهولة؟!"*.. "هل تريدون منا، بعد كل هذه التضحيات والنضال الذي قمنا به، أن نترك كعكة الوطن لمن كان في أيام النضال في بطن أمه، أو كان رضيعاً في حضن أُمّه، أو كان يلعب في الشوارع؟!"*.. "هل من المعقول أن يأتي أحد (ما)، على مائدة الأكل، وعلى الحاضر، وهو لم يطبخ، ولم يبع الغالي والرخيص، من أجل هذه المائدة؟!"*.. "هل بعد كل هذه المعاناة من أجل الوطن، يأتي أحد (ما)!.. - وكأنّ هذا الــ (أحد مـا) جاء من المريخ، وليس هو من أهل الوطن- يأتي ليأكل هو كعكة الوطن؟!"*
مستحيــل، وهيهات هيهات.. لن يتذوق أحد الكعكة، إلا من ناضل في سبيل استوائها!!.. ســبحان الله، لقد أصبح النضال والوطن كعكة تؤكل!!.. ولم نعلم ذلك إلا بعد تقارب النظرية الوطنية والقومية بالزوال، وبعد فوات الأوان!.. مع أنها تجدد نفسها منذ الآن!..
إذاً، فلتخرس كل أفواه المعارضة.. لأنه، وبكل بساطة، أصبح الوطن والنضال ليس من أجل الوطن، بل من أجل كعكتها!!.. نعم الكعكة، وما أدراك ما الكعكة، فمن ذاقها من الصعب أن يتركها بكل هذه البساطة..
لذلك تجد أهل هذا الوطن، الذين ينشدون الأناشيد من أجله، يستغربون من هذا التهميش الذي يلاقونه من جانب السلطة. فالشعب هو آخر شيء تقوم السلطة بالتفكير فيه. في حين أن الشعب هو الذي قام (في الأصل ) بالنضال، وهو الذي عانَى الأمرّين، وقد سُميت الحركات الوطنية باسمه، فسميت الحركات الوطنية بالحركات الشعبية. فلماذا تركته السلطة، ولم تعطه استحقاقه من هذه الكعكة؟!.. مَنْ أكل حصته من الكعكة (حسب النظرية الكعكية للوطن!!)؟!..
فهو لا يدري ما يجري ما حوله، ولم يذق طعم الكعكة بعد.. أما أصحابه في السلطة، فقد أكلوا وشربوا وتنعَّموا بهذه الكعكة. ولكن يبدو من شكله أنه هو الكعكة!!.. فبه تؤكل الكعكة، ولولاه لما كان للسلطة هذه الجرأة في استباحة كل ثروات الوطن لمصالحها، فهو الوقود الذي يشتعل، لكي تستوي بها هذه الكعكة!..

لكنني أتساءل: هل الأوطان، حقيقة، هي كعكة تؤكل..؟!! أنا لا أدري، لأنني لم أتذوقها بعد!!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق