02‏/11‏/2015

قصة الشيطان والأفلام الدينية في السينما الأمريكية (هوليود) - قراءة نقدية

د. أكرم فتاح سليم
(تخصص مقارنة الأديان)
في السنوات العشر الأخيرة تم انتاج مجموعة من الأفلام في السينما الأمريكية، تتحدث عن أمور غيبية عقائدية وقضايا دينية، خاصة في عام 2014م، والذي كان حافلاً بالأفلام الدينية المسيحية، التي بثها عادة مجموعة قنوات MBC، وكذلك قناة TOP Movies، أفلامٌ بطلها الشيطان، أو أحد أعوانه، والتي كان المحرّك الأساسي فيها للأحداث. لم ير أحد منا الشيطان بصورته الحقيقية، لكن مع أفلام هوليود، يمكنك رؤية تصور صناع السينما للشيطان، وشكله، وقوته التدميرية للعالم وللبشر، وإن كان الغرض منها الأثارة والترويج والحصول على أرباح طائلة من خلال عرض أفلام الرعب، لكن الغرض الأكبر هو تشويش
عقيدة الناس وأفكارهم، وبث وترويج الخرافات والأباطيل بصورة ملحوظة، خاصة عند شباب المسلمين بعد انتشار الجهل والتخلف بينهم، وحب التقليد، والتأثر بأبطال هذه الأفلام. وسوف نذكر قصص بعض هذه الأفلام، بصورة موجزة، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
1.  The Devil's Advocate)محامي الشيطان) إنتاج عام 1997م..
فلم يحكي قصة محامٍ يتحول من شخص غير معروف، إلى أحد أقوى المحامين في الولايات المتحدة الأمريكية، يحصل على كل ما يتمناه، ولا شيء يعترض طريقه، يستمر على هذا المنوال لفترة طويلة، مستمتعاً بما يحدث حوله، حتى تنقلب الأمور رأساً على عقب، ويكتشف أن مديره في العمل، والمسؤول عن كل النجاحات التي حققها، هو (إبليس) نفسه.
2. (Solomon Kane - سليمان كين) إنتاج عام 2000م
قصة هذا الفيلم تبدأ بأن أحد المرتزقة الأقوياء يكتشف أن مصيره مرتبط بالجحيم مع الشيطان، فيقرر التوقف عن القتل والعمل على إنقاذ فتاة مخطوفة من مجموعة من السحرة، إلا أنه يجد نفسه يقف في وجه الشر والشيطان وحيداً، ثم ينتصر عليه.
3. ( - End  of  Daysنهاية الأيام) إنتاج عام 1999م..
هذا الفلم من بطولة الممثل الشهير (أرنولد شوارزينغر). أحداثه تدور في الأيام الأخيرة للقرن العشرين، حيث يقرر الشيطان زيارة مدينة (نيويورك)، للبحث عن الزوجة المختارة، وعلى (شوارزنيغر)، الذي يؤدي دور شرطي سابق، إيقافه قبل أن يتمكن من الزواج، والحصول على ابن يدمّر العالم.
4. (- The Omen الطالع) إنتاج عام 2006م..
قصته أن سفيراً أمريكياً يمتلك أسرة صغيرة وطفلاً وحيداً، يكتشف بعد مرور فترة، أن هناك العديد من التصرفات الغريبة التي تحدث في منزله، وفي جميع مظاهر الحياة حوله، وبعد بحث وتدقيق يكتشف أن ابنه الصغير هو المسيح الدجال.
5. (Darkness Falls - سقوط الظلام) إنتاج عام 2003م..
يحكي الفيلم قصة روح شريرة، انتقمت من المدينة التي أعدمتها منذ 150 عاماً بتهمة السحر والشعوذة، لتقوم بتدمير البلدة بأكملها بكل ما فيها، عدا طفل واحد، وقف في وجهها، وبعد مرور سنوات عديدة ينضج ويصبح كل منهما خطراً على الآخر، لتبدأ المواجهة المحتدمة، باستخدام كل أساليب السحر والشعوذة.
6. (The Book of Eli - كتاب إيلي) إنتاج عام 2010م..
 قصة هذا الفلم عبارة عن وقوع كارثة نووية حلت بالأرض بشكل كامل، حيث نجت فئة قليلة من سكانها، وحلّ الفساد والقتل والسرقة، وتمّ تدمير كل نسخ الكتاب المقدس، ولم يبق إلا نسخة واحدة منه، حملها شخص نجى من الكارثة، وهو يسير باتجاه الغرب، وهو لا يعرف لماذا يسير إلى هذا الاتجاه، إلا أنه يسمع صوتاً خفياً يقول له: (اتجه إلى الغرب، فأنت محميّ، ولن يصيبك مكروه)؛ (إشارة إلى العالم الغربي)، فيتجه غرباً، ويقرأ جزءاً منه يومياً، ويتعرض إلى الكثير من المخاطر في رحلته، ثم يصل إلى جزيرة يوجد فيها مطبعة وكاتب، فيتصاحبان، ويعاودان تركيب المطبعة، حيث يجلس حامل الكتاب المقدس، وقد حفظ الإنجيل، ثم يبدأ الكاتب بكتابته حرفياً، وتتمّ إعادة طباعته، ويجعل له هدفاً، بأن يكون هو الرسول الجديد، لنشر المسيحية من جديد لمن بقي حياً على كوكب الأرض.
عند ذكرنا قصص هذه الأفلام الستة، تبَيَّن أنها تطرقت إلى أمور عقائدية خاطئة، قد يتأثر بها المشاهد الساذج، منها قوة الشيطان الكبيرة، وشكله الضخم، وممارساته، وتحوله إلى صورة بشر، وزواجه بهم، وغير ذلك من الخرافات.
فالله سبحانه يذكر في (سورة الناس) أن ليس للشيطان سلطان على بني آدم، إلا وسوسته لهم، لقوله في كتابه الكريم: [الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ] الناس/ آية 5. وكذلك اغراؤهم لبني آدم، قال تعالى: [فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا] البقرة/ آية 36. في الآية تبين أن الشيطان أزلَّ آدم وحواء عن طاعة الله سبحانه، بعد أن لُعِنَ وأظهر التكبر، وهنا تظهر غريزة الإنسان، وضعفه أمام المغريات. وكذلك إنساؤه إياهم ما يذكرون، كما في قول الله تعالى حكاية عن صاحب موسى (عليه السلام): [فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ] الكهف: آية 63. والمراد من نفي سلطان الشيطان على المؤمنين، هو نفي ما يبلغ به مراده من المؤمن، وإن قوة الإيمان تدفع إغراءه. فالإيمان والتقوى حصنان للحق في جميع الظروف والأوقات، قال تعالى: [فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ] سورة النحل 98-100.
وكذلك روَّجت هذه الأفلام السحر والشعوذة، والأيام الأخيرة لعمر الأرض، أي (يوم القيامة)، وقدوم المسيح الدجَّال. فمن أراد الإلمام بهذا الموضوع، بشكل صحيح، وحسب عقيدة أهل السنة، فليرجع إلى كتاب (نهاية العالم في أشراط الساعة)، وكذا: (العالم الأخير)، تكملة لنهاية العالم، هذان الكتابان للدكتور (محمد العريفي) - دكتوراه في العقيدة والمذاهب المعاصرة - يتحدثان عن علامات القيامة، مرفقاً بالصور وأماكن حدوثها. وتظهر كذلك في هذه الأفلام، الأمور الشيطانية؛ كابن الشيطان، وشبح مصاصي الدماء، كما تظهر فيها الطقوس الغريبة للعبادات الشيطانية، واستخدام الوُشُوم على أطراف الجسم، والتي لاقت رواجاً كبيراً لدى جمهور المشاهدين الأمريكيين.
وجاء في دراسة استطلاعية أعدتها (منظمة إذاعات الدول الإسلامية) بـ(جدة): أنه تمّ تخصيص ما يزيد على المائة مليون دولار لإنتاج سينمائي، في (هوليود)، ولاية السينما الأمريكية، ويشمل إنتاج خمسة عشر فلماً، أعّدت مادتها من (سفر التكوين)، وثمانية عشر فلماً، أعّدت مادتها من (إنجيل لوقا)، لترسيخ فكرة أن الغرب سينقذون العالم، بمن فيهم المسلمين، بعدما انتشر وزاد شَرُّ البشر في استخدام الأسلحة الكيماوية، والنووية، وتطبيق التجارب العلمية على المرضى؛ لمعرفة قوة الفايروسات والميكروبات، وكيفية القضاء عليها. فهذا الجزء من القصة صحيح، فيما يتعلق باستخدام الأسلحة، والتجارب العلمية. وهذه الأفلام ليست للكبار فحسب، بل فيها أفلام موجّهة للأطفال والصغار، فينبغي على شبابنا الحذر من محكيات هذه الأفلام، ومطالعة القضايا العقدية والغيبية، وفق منهج صحيح منسجم مع عقيدة أهل السنة والجماعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق